
ما بعد تصفية جمال خاشقجي: ملاحظات

ما كانت تصفية جمال خاشقجي (رحمه الله والهم عائلته الصبر) لتقع بالأساس لو كان الموقف من حرية الرأي والإعتقاد والحق بالمعارضة مكفولا في بلادنا. الحق في التعبير هو الحق الطبيعي في جانب كبير من العالم، لكن عالمنا العربي، كما تؤكد حادثة قتل جمال خاشقجي، إعتاد ان يواجه الرأي الحر بالعنف، لهذا السبب نحن في ذيل البشرية في مؤشرات التنمية والحرية والعدالة، ولن نخرج من هذه الهاوية كعرب من محيطه لخليجه ابدا إلا بالعودة لقيم التسامح والحرية المصحوبة بقيم تنمية الإنسان اولا. إن الهمجية لا تبني أوطانا. لقد قتل خاشقجي لأجل الحرية، لكن القضايا التي آمن بها وسعى اليها لم تتغير. مع الوقت سيصبح موت جمال خاشقجي مصدر الهام لحراك الحرية في الوطن العربي كما وفي وطنه الذي احبه ومات من أجله.
إن الجريمة التي أودت بحياة خاشقجي خلقت زلزالا كبيرا هز أرجاء العالم: مقتل صحافي حر في قنصلية بلاده أصبح على كل لسان. لقد تشكلت عند لحظة إغتيال جمال خاشقجي وفي الايام التي تلتها حالة دولية نادرة الوقوع. فتصفيته بهذه الطريقة أدت لاستفزاز قوى كثيرة ومجتمعات غربية وشرقية مما أعاد للاذهان الاسباب التي دفعت العالم العربي للثورة عام 2011. لم ينتج الربيع العربي بالاساس سوى عن حادثة بوعزيزي البائع المتجول في تونس، وقبله وقعت قصة خالد سعيد في مصر والذي قتلته الأجهزة للتغطية على حوادث فساد، لكن قصة سعيد أدت للثورة المصرية في كانون الثاني/يناير 2011.
إن جزءا كبيرا من ردة الفعل العالمية على مقتل جمال خاشقجي والتي ركزت على المملكة العربية السعودية مرتبطة بكون جمال صاحب رأي وموقف سلمي متزن، والأهم ان ردة الفعل مرتبطة بالإعلام الحر في العالم وبطبيعة الجريمة ووحشيتها. لكن الموقف الدولي إرتبط بأمور أخرى يزداد النقد حولها: كحرب اليمن الدامية والاعتقالات التي اثرت على عدد كبير من الامراء ورجال الاعمال، وحالة حرية الصحافة والتعبير وحصار قطر الذي دمر التعاون الخليجي، والازمة مع كندا. صراعات كثيرة أحاطت بالمملكة، بل يبدو ان مقتل خاشقجي بهذه الطريقة الوحشية، كما تؤكد الكثير من التقارير، هي «القشة التي قصمت ظهر البعير».
مع الوقت سيصبح موت جمال خاشقجي مصدر إلهام لحراك الحرية في الوطن العربي
بحلفائهم العرب إلا في اطار بيع الاسلحة واستنفاد الموارد.
السعودية هي الدولة العربية والخليجية الأكبر والأهم الباقية في حلبة الوجود وذلك بعد إنهيار سلسلة من الدول العربية كالعراق وسوريا وتراجع دور مصر. ليت المملكة توخت الحذر عند السير في حقل الالغام العربي والعالمي وتفادت الانجرار لصراعات ومعارك جانبية. ما حصل مع إغتيال جمال خاشقجي: سيؤثر على حرب اليمن، سيفيد إيران بكل تأكيد، وسيضر بالتنسيق العسكري السعودي الأمريكي كما وسيؤثر بوضوح على العلاقة بين الرأي العام العالمي والأمريكي والصحافة العالمية والمملكة. سنجد في الكونغرس الأمريكي تحركات لإعادة تقيم العلاقة، وسنكتشف بعد ايام واسابيع أن اكثر من سبعين عاما من التأثير والتفاعل الأمريكي السعودي الايجابي قد سقط بسرعة قياسية بسبب مقتل جمال خاشقجي. لقد جعل جمال بموته كل من ساهم بتصفيته يندم على الامر من أوسع باب.
شاهد أيضا
إن القضية التي ضحى جمال خاشقجي من أجلها قد اكتسبت بمماته التراجيدي الكثير من الأنصار، فهل يكون مماته بداية تحول كبير في بعض السياسات الرسمية؟ أم يتحول مماته لذكرى الهام لنشطاء المرحلة القادمة من الخاشقجيين الجدد ممن يتبنون ذات الموضوعات والقضايا التي أثارها؟. سنشهد تحولا ما في السياسات لكن سنشهد بصورة اوضح إنبثاقا كبيرا في حراك الناس والنخب الواعية والشعوب المهمشة نحو تثبيت المشاركة والحريات. لقد فتح موت جمال الوحشي مرحلة جديدة في علاقة الانسان العربي بالحرية.
٭ استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
المقال كاملا من المصدر اضغط هنا
Essa
The post ما بعد تصفية جمال خاشقجي: ملاحظات appeared first on بتوقيت بيروت.
from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2PSKa9d
0 تعليق على موضوع "ما بعد تصفية جمال خاشقجي: ملاحظات"
إرسال تعليق