
كلام في الهجرة والتهجير واللجوء والانطلاق من مراكش

في العاشر والحادي عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول 2018 يجتمع ممثلو أكثر من 170 دولة في مراكش بالمغرب، للتوقيع على “الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة” الذي اعتمد بالإجماع في شهر يوليو/تموز 2018 في الجمعية العامة. وستغيب عن المؤتمر حفنة من الدول أولها الولايات المتحدة، التي كانت أول المنسحبين ثم لحقت بها إسرائيل، فبعض الدول التي يقودها اليمين العنصري مثل هنغاريا والنمسا وأستراليا والتشيك وسلوفاكيا. لكن لا خوف على المؤتمر ونجاحه، لأن مسألة تقنين الهجرة وتنظيمها أصبح ضرورة ملحة، بعد فوضى السنوات الأخيرة التي دفعت بمئات الألوف أن يهجروا أوطانهم بحثا عن مكان آمن يضمن لهم لقمة عيش ومساحة من الحرية، فانتهى مصير العديد منهم إلى الموت في قيعان البحار غرقا أو كثبان الصحارى عطشا أو أقفاص المهربين سجنا وتعذيبا.
لا خوف على المؤتمر، لأن دولا عديدة معنية بنجاحه كي يتقاسم المجتمع الدولي معها عبء الهجرة والمهاجرين واللجوء واللاجئين مثل، ألمانيا وتركيا والمغرب والمكسيك ومعظم دول الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا ودول أمريكا اللاتينية والدول العربية. وسيتم اعتماد الميثاق الجديد الذي ينظم عملية الهجرة ويجعلها آمنة وقانونية لمصلحة دول المصدر ودول الاستقبال ودول المرور.
وفي البداية لا بد من التفريق بين فئات ثلاث هجَرت أو هُجّرت من موئلها الأصلي: اللاجئ الذي اجتاز الحدود قسرا، والمهجّر الذي بقي داخلها، والمهاجر الطوعي الذي غامر بترك بلاده بحثا عن عيش أفضل. وسيكون تركيز مؤتمر مراكش على الفئة الأخيرة من المهاجرين في محاولة لتنظيمها. وهنا أسلط بعض الأضواء على الفئات الثلاث التي تركت أوطانها بسبب الحروب والخوف والمجاعات والجفاف والفيضانات والأمراض والتطهير العرقي والأطماع والاقتلاع، فلا يوجد بلد في العالم خالٍ من المهاجرين، بل هناك بلاد مكونة أساسا من المهاجرين بعد أن تمت إبادة السكان الأصليين كليا أو جزئيا مثل، الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.
*ثانيا- المهجّرون أو النازحون أو المشردون داخليا، وهم الذين فروا من مساكنهم وقراهم ومدنهم أو أجبروا على الفرار خوفا من الاشتباكات المسلحة، أو تحسبا من استهدافهم بسبب العرق أو الدين أو الانتماء السياسي، لكنهم لم يستطيعوا أن يجتازوا حدود الوطن وظلوا فيه، فهم لاجئون في وطنهم بدون حقوق اللجوء. وهذه الفئة من الناس ما زالت غير منضوية تحت اتفاقية دولية أو قانون دولي، ولا يتم التعامل معهم إلا على أساس أنهم بحاجة لمساعدات إنسانية لإبقائهم على قيد الحياة. ويتم أحيانا التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرضون لها مثل، القتل العمد أو التطهير العرقي أو الإخلاء أو الاغتصاب أو التجويع المتعمد، كما هو الحال في سوريا واليمن والعراق ودارفور وجنوب السودان. ويصل عدد المهجرين حاليا نحو 30 مليون إنسان. وهذه الفئة أسوأ وضعا من اللاجئين والمهاجرين، حيث غالبا ما يقعون بين فكي كماشة المتحاربين، فالمعارضة قد تحتمي بهم وتجعل منهم ستائر بشرية وتجبرهم على دعمها، وتجند شبابهم في صفوفها، وتطبق عليهم أحكامها وقوانينها الغريبة، أما الأنظمة فتقوم بقصف المعارضة المختبئة بينهم فيقعون ضحايا دونما ذنب من لدنهم.
شاهد أيضا
الأركان الأربعة لميثاق مراكش: يعبر الميثاق العالمي في مجمله عن الالتزام الجماعي بتحسين التعاون في مجال الهجرة الدولية، التي لا شك أنها جزء أساسي من التجربة الإنسانية عبر التاريخ. فالهجرة المنظمة ما فتئت تكون مصدرا للازدهار والابتكار والتنمية المستدامة في عالم يتسم بالعولمة. وهذا الميثاق يعمل على تحسين هذه التأثيرات الإيجابية عن طريق تحسين الهجرة وتنظيمها. فغالبية المهاجرين حول العالم يسافرون ويعيشون ويعملون في أمان، وبعضهم يختار طوعا أن يعود إلى بلاده الأصلية، والبعض يفضل الاستثمار في البلدين ويحاول أن يعلم ثقافته الأصلية لأولاده في المهجر، وهو ما يعزز تبادل الثقافات والخبرات واللغات والعلوم. ومع ذلك، تؤثر الهجرة بلا شك على بلاد الاستقبال وعلى المهاجرين وعائلاتهم بطريقة مختلفة للغاية. ومع أن الميثاق الجديد غير ملزم إلا أن القضايا التي يطرحها والمتعلقة بالهجرة تقع في صلب المصالح الحيوية للدول الثلاث: المصدر والممر والاستقبال، فتوصيات الميثاق التي تزيد عن 22 توصية تسعى إلى وضع حلول لأربع مسائل متشابكة:
– العمل على مساعدة الدول المصدرة للمهاجرين اقتصاديا وفتح مجالات للعمالة بحيث تستوعب العدد الأكبر محليا، بدل خروجها للبحث عن فرص أفضل.
– تخفيف الضغط على البلدان المستضيفة، واحترام شروطها لقبول المهاجرين، وإعطاؤها الحق في أن تضع أولويات أمنها الداخلي أولا، وحقها في تحديد الفرق بين المهاجر الشرعي وغير الشرعي.
– احترام كرامة المهاجرين وأبنائهم وتعزيز قدراتهم والاستفادة من خبراتهم وتحريم التمييز ضدهم وتهميشهم وطردهم بطريقة تعسفية، أو منع الخدمات الأساسية عنهم.
– وأخيرا النظر إلى الهجرة بشكل إيجابي واعتبارها مزدوجة الفائدة لدول الاستقبال المستفيدة من خبراتهم ومهاراتهم، ودول المصدر المستفيدة من تحويلاتهم ومشاريعهم.
* محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي
المقال كاملا من المصدر اضغط هنا
Rim
from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2KJUcaZ
via IFTTT
0 تعليق على موضوع "كلام في الهجرة والتهجير واللجوء والانطلاق من مراكش"
إرسال تعليق