
انكفاء إمبراطورية تُقامر بمال غيرها

لتسويق نجاعة الأنموذج الغربي الرأسمالي، يتمّ الاعتماد على وسائل التأثير الإعلامية والفكرية لإقناع الشّعوب وإسقاط الأنظمة، وهو أحد الخيارات الأمريكية تجاه إيران وكوريا الشمالية في السنوات الأخيرة.
وما من شكّ في أن تبادل التهديدات بين أمريكا وإيران مردّه الأساس حرص الولايات المتحدة على وصول نفط الخليج، خاصة ما تُقدّمه مملكة آل سعود على نحو آمن وبأسعار معقولة. وعندما تخشى واشنطن على مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، بصفتها منطقة مصالح كبرى، تسود لغة القوة في حرب مباشرة أو بالوكالة، ولا يهم أن تحدث المغامرات المجنونة، كتلك التي تتم على حساب الشعب اليمني، حيث تنتهك الأسلحة الأمريكية بأياد سعودية حقوق الإنسان وتقتل الأبرياء في حرب همجية شوّهت صورة المملكة، وقلّصت رصيدها الأخلاقي والإنساني بشكل فادح. ولا يمكن أن تُخفي الانقسامات الشكلية في الإدارة الأمريكية، حقيقة الاجماع حول ضرورة السيطرة على حقول النفط، وليس الوصول إلى النفط فقط، أو ضمان تزويد أصحابه لها بشكل مستمر، وبأسعار زهيدة. فقد كان لدى واشنطن اعتقاد بأنّ لها حقّا مبدئيّا في ثروات العالم النفطية، ضمن غرور حقبة الهيمنة على العالم، والأمر بدا جليّا بعد الحرب العالمية الثانية، ومع رونالد ريغان وحرب النجوم. وكان هناك هدف واضح مفاده الإبقاء على البيئة الدولية مناسبة لنشاط الشركات الخاصة، كي تعمل في أمن وتحقق الأرباح، خاصة في نفط الشرق الأوسط.
ومع العقوبات المالية والتجارية العشوائية على روسيا والصين وإيران وغيرها، تواصل الولايات المتحدة احتواء القوميات الاقتصادية واتباع «سياسة الحظر» بتعبير ديفيد بانتر، التي احتاجت إلى ترتيبات تضمن وضع اليد على نفط العالم في توافق مع طبقة رجال الأعمال في أمريكا، فكان تأثير الشركات في القرار السياسي واضحا في كثير من الأحيان، ولأجل تحقيق الأهداف اصطدمت «السياسات البديلة» لإنتاج واستهلاك النفط مع المصالح السياسية والاقتصادية جيّدة التنظيم، ومع المعتقدات الأيديولوجية الراسخة، وصارت الأطر السياسية للنظام الاقتصادي تسمح باتخاذ أغلب قرارات الاستثمار بأيدي رجال المال والأعمال. تأسيسا على ما تقدّم، حرصت الولايات المتحدة في البحث عن مكانة مهمّة يضمنها الأداء الاستراتيجي، الذي يتجاوب مع متغيّرات النظام العالمي، وفي الأثناء ادعت أن سيطرتها على العالم تضمن الاستقرار الدولي المكفول ببقاء قيادتها للعالم، ولكن الذي حصل أن الرغبة في الهيمنة وسياسة الحروب الهمجية ضمن استراتيجية ما سُمّي بالحرب الوقائية أو الاستباقية، زعزعت الاستقرار العالمي، ونزعت الأمان عن أغلب شعوب الأرض. ومن المهمّ الإشارة إلى أن النظام الدولي بمعطياته الجديدة، لم تعد فيه أمريكا ذات يد عُليا تمدّها متى شاءت بعثا لأسباب البقاء لكياناتها المصطنعة، أو لمصالحها الاستراتيجية، وانتهى فعليّا مشروع سيطرة دولة واحدة على العالم، في الوقت الذي نشهد فيه تقلّص العلاقات الدبلوماسية وتوترها، إضافة إلى استعراض القوة والسباق نحو التسلّح بأحدث المنظومات الدفاعية والهجومية، الذي يدفع باتجاه المزيد من تأزّم العلاقات الدّولية بشكل يفوق فترة الحرب الباردة. وإن كان صراع التموقع وتوسيع النفوذ هو العنوان الأكبر الذي يجعل المنطقة خاضعة لإكراهات الهيمنة والتنافس بين الولايات المتحدة وروسيا. وقد يكون من شأن المشاركة الدوليّة الواسعة أن تُقلّص أحادية القرار الأمريكي الذي يقوم على المساومة والإكراه، خاصّة أمام مبادرات السلام التي قدمتها المجموعة الدولية في كل القضايا، وعلى رأسها الحقوق الوطنيّة المشروعة للشّعب الفلسطيني. بعد أن ساد نوع من الفوضى الخلاقة حاول من ورائه صناع القرار في المجتمع الدولي أن يغيّروا النظام العالمي والجغرافيا السياسية، ومع مثل هذه الإرادة الدولية، إرادة القوة المهيمنة لا موجب للاستكانة والخضوع والتفويت في المصائر ومستقبل الأمة، خاصة عندما تتردى الأوضاع الدولية وتتراجع القيم الإنسانية مع انبثاق النظام العالمي الجديد، وظهور أيديولوجية العولمة، التي قضت على مساعدات التنمية، وأدخلت الدول النامية مسلك المديونية الخارجية، واتضحت معها الهوة الاقتصادية والمادية، واتسعت الفروق بين الأمم والدول اتساعا لا مثيل له، كشف زيف ما بشرت به مقولات العولمة، من أن العالم أصبح قرية صغيرة كونية متشابهة ينمو ويتلاحق بجميع أجزائه.
*كاتب تونسي
المقال كاملا من المصدر اضغط هنا
Rim
شاهد أيضا
from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2G40nIf
via IFTTT
0 تعليق على موضوع "انكفاء إمبراطورية تُقامر بمال غيرها"
إرسال تعليق