-->
جاءوا ليبددوا الظلام

جاءوا ليبددوا الظلام

منذ سنين وأنا أتابع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهو يتحدث في المواضيع السياسية. فخطاباته لغز مليء بالإشارات. واضح لكل من يسمعه بأن لديه ما يتوق لأن يرويه لنا نحن المواطنين، ولكنه يمتنع عن ذلك لأسباب أمن المعلومات. ولما كان الحال هذا، فإنه يكتفي بالقليل ولا يعطي إلا تلميحات. صياغاته حريصة، لغته عالية ودقيقة، وهو لا يمتشق تلميحاته بل يختارها مسبقاً. أحياناً يكون ممكناً لنا أن نعرف ما يختبئ خلفها وأحياناً لا. يوم الثلاثاء خرج نتنياهو مرة أخرى على الجمهور وأعلن عن الحالة لتدمير الأنفاق على الحدود اللبنانية. بعد أن عرض الشريط الذي يستبق فيه نشيط من حزب الله إلى النفق ويهرب للنجاة بروحه، قال نتنياهو مرتين إن المخفي في هذه القصة أعظم.
لا توجد سبل كثيرة لتفسير هذه الجملة. فالقسم الخفي من هذه الحملة يتعلق بشركائه المخفيين. إسرائيل ليست وحدها في المعركة أمام حزب الله، وهذه المعركة لا تقف بحد ذاتها. فهي جزء من حملة دولية واسعة لتقليص النشاط العسكري لإيران وحليفتها اللبنانية. وتقود إسرائيل هذه الرحلة. ولكنها ليست وحدها. الحصار، مثل كل حصار، يدار في جملة اتجاهات. تصفية الأنفاق هو قص ساق واحدة لحزب الله. ومقابل ذلك، تعمل إسرائيل منذ أكثر من سنة لضرب الإيرانيين في سوريا. وبالتوازي نجحت أيضاً في ربط الولايات المتحدة في مساعي إسقاط الاتفاق النووي مع إيران، وقلب الجرة رأساً على عقب في فرض عقوبات تجارية وبيتية عليها.
صحيح أن إسرائيل تقود الحملة، وتصوغ قواعدها وتنسق بين أعضائها، ولكن الولايات المتحدة هي لكمتها الساحقة. يمكن تشبيهها برحلة بحرية لسفينة كبيرة تجرها سفينة. القسم الخفي الذي يلمح به رئيس الوزراء هو الدول الأخرى المشاركة، إضافة إلى الولايات المتحدة. فالحديث يدور عن دول عربية، وبعضها ليس له علاقات رسمية مع إسرائيل ودول غير عربية. هذه الشراكة تجعل النشاط ضد إيران وحزب الله على الحدود اللبنانية، في سوريا وفي أماكن أخرى حملة دولية واحدة.

أنتم مدعوون لربط تفاصيل لوحة الفسيفساء هذه وتركيب الصورة. فمثلاً تلك المكالمة الهاتفية من رئيس الوزراء إلى البيت الأبيض، التي ناشد فيها ترامب عدم المس بولي العهد السعودي بعد قتل الصحافي جمال خاشقجي، لأن السعودية هي ذخر استراتيجي. كان هذا تسريب نادر من «واشنطن بوست»، الذي أخرج من الخزانة تلك العلاقات السرية بين القدس والرياض وكشفت عن طبيعتها.
الشرق الأوسط غابة وليس فيه وجبات مجانية. فإذا كان نتنياهو ساهم في شيء ما في نجاح محمد بن سلمان من براثن ترامب (ولا يهم لماذا قرر ترامب في النهاية تبرئته) فمعنى الأمر هو أن إسرائيل بحاجة ماسة إلى ولي العهد السعودي. كما أنه بحاجة إلى رديفه، ولي عهد اتحاد الإمارات، محمد بن زايد، وكذا للبحرينيين، وكذا لزعماء آخرين.
ترى هذه الدول فرصة لهز إيران وضربها، ولهذا فقد راهنت على التقرب من إسرائيل. وهذا التقرب كفيل بأن يجسد لها الحلم الأكثر رطوبة، ويضعف التهديد الأكبر على وجودها. في مدرج الأولويات بين هذين الأمرين، فإن مقاطعة التطبيع أقل أهمية لها بكثير. فمع كل الاحترام، يمكن لفلسطين أن تنتظر. وعلى أي حال فإن الفلسطينيين أنفسهم، كما يبدو أحياناً، لم يقرروا ما الذي يريدونه من إسرائيل.

سيناريو هوليوودي

بعد سنتين من فهمهم بأن المعركة لإسقاط نظام البعث في سوريا فشلت، وجدت دول الخليج السنية فرصة لإضعاف المعسكر الإيراني بواسطة آخرين. لعب لها الحظ، وفي واشنطن وقع تحول، ودخل إلى البيت الأبيض رئيس تفانى لهذه المعركة بكل قلبه. الحرب العسكرية، الفظة والبشعة، التي أدارتها هذه الدول ضد بشار الأسد وحدها، حلت محلها معركة خفية، وذكية ومتعددة القنوات. ولهذا فقد وضعت إسرائيل كقائدة عليها، وأعطتها مباركة الطريق.

إسرائيل تقود الحملة ضد إيران وحزب الله وفي الخفاء تشاركها دول عربية وعلى رأسها السعودية والإمارات

اليوم، في كل زاوية تكافح فيها إسرائيل ضد الإيرانيين ـ في الساحة العسكرية، والاقتصادية، والقانونية أو الدبلوماسية ـ تقف تحت تصرفها حليفاتها المؤقتة من بين دول المنطقة. عندما يقول حسن نصر الله إن مؤامرة صهيونية أمريكية تنسج ضد محور المقاومة، ويشتم البحرينيين والسعوديين ـ فهو غير مخطئ. فحملة تتجاوز الحدود تجري ضده وضد من يعطونه الرعاية في طهران، وهي في ذروتها. وتدار هذه الحملة في الأساس من القدس وتل أبيب. كيف ستساهم السعودية أو اتحاد الإمارات أو غيرهما في المعركة بقيادة إسرائيل لتقليص النشاط العسكري لإيران في سوريا ولبنان وفي أماكن أخرى؟ شغلوا خيالكم. القاعدة على النحو التالي: الواقع بعيد الأثر دوماً، وعاصف ومفاجئ أكثر مما يصيغه أفضل كُتّاب السيناريو في هوليوود.

يوم الدفع

أمس هبط في مطار بن غوريون الوسيط القطري، محمد العمادي، مع حقائب الدولارات. 15 مليون دولار نقداً، مخصصة لـ 28 ألف موظف حكومي في غزة ولـ 5 آلاف عائلة محتاجة أخرى. ومن مطار بن غوريون وصل إلى حاجز ايرز وسلم الحقائب لرجال حماس. وسيدعى المستحقون لتلقي رواتبهم في مراكز البريد في القطاع وفقاً لبطاقات استحقاق أرسلت إليهم. سيبقى العمادي في القطاع كي يشاهد توزيع المال، وبعدها يقلع عائداً إلى بلاده. وستكون هذه الإرسالية الثانية من بين ست إرساليات تدخل إلى القطاع في إطار الاتفاق الرباعي بين إسرائيل، وقطر، وحماس، ومصر.
وبالتوازي يمول القطريون السولار لمحطات توليد الطاقة في غزة، والذي اشتري في إسرائيل ويدخل بناقلات النفط عبر معبر كرم أبو سالم. المدى الزمني للصفقة ستة أشهر، وينتهي في نهاية نيسان. حتى ذلك الحين، كما تأمل الأطراف، ستتوفر آلية دائمة.
في الأشهر الأخيرة كتبت هنا بتوسع عن الاتصالات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس. هذه الاتصالات عرفت صعوداً وهبوطاً. والآن، بعد نحو شهر ونصف الشهر من التوقيع على الاتفاق، يمكن التهنئة بنجاحه. حالياً، بالطبع. من هنا يمكن للطرفين أن يسيرا به في كل اتجاه يرغبان فيه. فإذا أرادا يمكنهما أن يعودا إلى المشادة، وإذا أرادا يمكن أن يطوراه ويمدداه.
لا يمكن أن نعرف ما الذي ستولده 2019 على حدود غزة. ولكن شيئاً واحداً واضح. الطرفان توافقا جيداً في هذه الصفقة. هذا الأسبوع اتهمت رئيسة المعارضين تسيبي لفني بأن نقل حقائب الدولارات إلى حماس يعدّ عملاً مفزعاً. أما في غزة، بالمقابل، فيدّعون بأن حماس استسلمت لإسرائيل وعطلت سلاح البالونات، إلا أنها لم تهتم إلا لنفسها. في الحالتين النقد صحيح. حماس بالفعل حرصت على نفسها، وإسرائيل منحت حماس مالاً نقدياً باليد. ولكن حقيقة هي أنه منذ 1 تشرين الثاني/نوفمبر، لم يحرق أي حقل في الأراضي الإسرائيلية، ولم يقتل أي متظاهر فلسطيني.

جاكي خوجي
معاريف 7/12/2018

المقال كاملا من المصدر اضغط هنا

Essa



from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2BXtskn
via IFTTT

0 تعليق على موضوع "جاءوا ليبددوا الظلام"

إرسال تعليق

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel