
الحركة باعت نفسها

في موعد ما، بعد بضعة أسابيع أو أشهر، في قاعدة عسكرية، في احتفال لا ينشر، سيتلقى بعض الأشخاص الأوسمة على بطولاتهم. أفترض أن أحدهم سيكون المقدم م. الذي لم يعد معنا، ومعه بعض من رفاقنا ممن نجحوا في العودة يوم الأحد مساء من بين الأموات.
هذا الحدث لن يغطى إعلامياً، ولن يبلغ عنه ولن يجري الحديث فيه. وهو سينتقل من الفم إلى الأذن بين الرفاق المجهولين لتلك الحفنة التي انكشفت يوم الأحد في عمق قطاع غزة. على مسافة أقل من كيلو متر من منزل يحيى السنوار، زعيم حماس (لا، هم لم يكونوا في الطريق إلى هناك أو شيء ما، مصادف تماماً). في النهاية، من كل ما حصل في الـ 44 ساعة المجهولة هذا الأسبوع، هذا هو الأهم.
السترة الواقية التي تسمى «الكابنت السياسي ـ الأمني» عملت هذه المرة أيضاً دون أي خلل. فقد سارع رئيس الوزراء إلى البلاد من باريس، ولكنه لم يعقد الكابنت مع عودته، ولا حتى في ذاك المساء. فقد عرف أن الدم يغلي ولم يرغب في أن يجرب صبر الرفاق. من الأفضل الانتظار. وفي هذه الأثناء مرت ليلة جبى فيها سلاح الجو ثمناً غير بسيط من حماس (في البنى التحتية أساسا)، فهدأت الأمور وبعدها، وفقط بعدها، جاء دور الكابنت.
وعندها، في نهاية الجلسة، أبدى نتنياهو سخاء المنتصرين. عندما سأل رئيس قيادة الأمن القومي مئير بن شباط ماذا عن الحظر الذي فرض على الوزراء لإجراء المقابلات الصحافية؟ قال نتنياهو بالنبرة السلطوية المعروفة إياها إن الحظر ملغى. أجروا المقابلات بحُرية. لم لا؟
شاهد أيضا
بعض النظام في الأمور: حماس لم تنتصر في هذه الجولة. فقد اجترفت بضعة إنجازات في الوعي ونجحت في ترميم صورتها الداخلية، بعد أن أهينت في نهاية الأسبوع حين باعت نفسها مقابل 15 مليون دولار (نقداً). من ناحية الضربات المادية، تلقت حماس ضربات أكثر بكثير مما وجهت. وشيء ما آخر، كي نكون عاديين: من أفشل إطار التسوية كانت إسرائيل. العملية السرية التي تعقدت يوم الأحد مساء لم تترك لحماس أي خيار آخر. فقد تكبدوا سبعة أو ثمانية قتلى (مقابل قتيل واحد للجيش الإسرائيلي)، اكتشفوا أفضل أبناء الصهيونية في ساحتهم الخلفية في توقيت حساس، فكانوا ملزمين بالرد.
بعد ذلك جاء دورنا، ومرة أخرى دورهم، والليلة التي بين الإثنين والثلاثاء كانت قاسية جداً بالنسبة لهم. ثمانية مبان عالية أسقطت في غزة وغير قليل من أهداف البنية التحتية النوعية الأخرى. سعت حماس لوقف الناس من بعد الظهر، ولكن هذا لم يأت إلا في الغداة، هكذا بحيث إنه في الحساب العام لميزان الربح والخسارة، خرجت حماس خاسرة، بمعنى أن الردع العام لا يزال قائماً. حماس غير معنية بجولة قتال أخرى.
المشكلة هي أن هذا لم ينته هنا، ففي كل ما يتعلق بالوعي، حماس انتصرت، فقد رممت صورتها كقائدة «المقاومة»، وهربت مليون إسرائيل نحو الغرف المحصنة، أملت الوتيرة ووصلت أي الحدث جاهزة على المستوى الإعلامي ـ الرقمي. والتسيب حول جدار الحدود بلغ ذرى جديدة. فقد صور الشبان الفلسطينيون أنفسهم يقطعونه حفاة، جيئاً وذهاباً، دون معيق. الباص الذي تعرض لصاروخ كورنيت يذكر جداً بالسفينة الإسرائيلية التي تجولت كالإوزة العرجاء أمام نصر الله وكادت تغرق، وكذا الثمن الباهظ الذي دفعناه في الجرف الصامد من قذائف الهاون على مناطق الدخول. لقد بدا الجيش الإسرائيلي في هذا الحدث مجروراً ومتردداً. من ناحية يحيى السنوار وإسماعيل هنية، لا حاجة لأكثر من هذا.
لقد عاد نتنياهو إلى الديار بسلام نسبي. فقد تعرض في اليومين الأخيرين لضرر غير بسيط في قاعدته. معاقل الليكود ثارت عليه، وبدأ الليكوديون يتحدثون ضده، ضجت الشبكة وحتى لبيد، وغباي، ولفني، واللواء ايال بن روبين، تجاوزوه من اليمين.
يحتمل أن تكون إجمالي الاعتبارات الاستراتيجية التي ينبغي للزعيم أن ينظر فيها، عمل فيها نتنياهو على نحو صحيح. هذا لا يمكننا أن نعرفه إلا في نظرة إلى الوراء. المشكلة مع رئيس وزرائنا هي أنه غير قادر على أن يوجه نظره مباشرة إلى الواقع وأن يعترف به. فيقول الحقيقة للجمهور. ما المشكلة في أن يقول لنا، يا رفاق، لا يوجد في هذه اللحظة من ننتصر عليه. ليس هناك ما يبرر أن ندفن من أجله ثمانية شبان. لدينا مهام أكثر إلحاحاً وأهمية. أنا أركز على الجبهة الشمالية. أنا أستعد لخطة ترامب. لا يوجد حل سحري لغزة وليس لدينا ما نعطيه إياها. إذن تعالوا نبتلع العزة ونواصل إلى الأمام. لا، لن يقول هذه الأمور، لأن من شأن هذا أن ينزع منه نصف مقعد يميناً لبينيت أو لليبرمان. وبالتالي فإنه يتغلف بالكابنت، ويختبئ من خلف الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن ويحاول أن يوقع الذنب، مثلما هو دائماً، على أحد ما آخر، ليس مهماً من سيكون. هكذا هو بيبي وهكذا على ما يبدو سيكون.
بن كسبيت
المقال كاملا من المصدر اضغط هنا
Essa
from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2DjXFLw
via IFTTT
0 تعليق على موضوع "الحركة باعت نفسها"
إرسال تعليق