
في تفسير الفورة الطلابية على التوقيت الصيفي في المغرب

الاثنين الماضي، عرف المغرب موجة احتجاجات لتلاميذ المدارس، عمت تقريبا كل مدن المغرب، وذلك على خلفية التوقيت الصيفي الذي تم اعتماده وتعميمه في كل الفصول، وسط ذهول مجتمعي من الطريقة المرتبكة التي تم بها اتخاذ هذا القرار.
شكل مظاهرات التلاميذ، لاسيما في العاصمة الرباط، فضلا عن مضمون الشعارات التي رفعت، وما رافق ذلك من استهداف الرموز الوطنية وإحراق العلم المغربي أو وطئه بالأرجل من قبل بعض التلاميذ، أثار جدلا آخر، حول منظومة التربية والتكوين ومخرجات البرامج التربوية والتثقيفية والإعلامية التي تضطلع بها وسائل الإعلام ومسؤوليتها في تفسير صور من إفلاس القيم الوطنية والتربوية لدى الناشئة.
والحقيقة، أن التعبيرات الطلابية في بعدها التربوي تحتاج أن توضع في مختبر التحليل القيمي، ليس فقط لتحديد المسؤوليات، ولكن، لدق ناقوس الخطر، وإعادة النظر في السياسات التربوية والتثقيفية والإعلامية، والرفع من فاعلية مختلف المؤسسات، بما في ذلك المؤسسة الدينية، للإسهام في إيقاف موجة الإفلاس القيمي التي تهدد الأجيال الحالية والقادمة.
المعطيات التي سبقت هذه التظاهرات، تفيد بأن قضية التوقيت بالنسبة لقطاع التعليم، قد تم معالجتها بما يوافق كل جهة وخصوصياتها، وأن أغلب الجهات اختارت البدء بالثامنة والنصف صباحا، والثانية والنصف مساء، دون حدوث أي تغيير في جدول الحصص للتلاميذ، وهو التوقيت الذي لم يجد أي اعتراض من قبلهم، بل جاء مناسبا لتطلعاتهم وما كان يقترحه أولياؤهم لما كان القطاع الوصي مصرا على استمرار التوقيت الصيفي في الفترة الشتوية.
شاهد أيضا
الآفة خطيرة في المغرب تدق ناقوس الخطر من توسع ظاهرة إفلاس القيم، لكنها في الوقت ذاته، تكشف أعطابا في الأوعية والقنوات التربوية والتثقيفية والإعلامية والدينية التي تضطلع بوظيفة بث هذه القيم
والحقيقة، أن الشكل الناعم لتعامل الأمن مع هذه التظاهرات لا يعني بالضرورة تشجيعهم لها، وبالتالي تشابه هذه التظاهرات بمسيرة بن زروال التي افتعلت ضد حكومة بنكيران لإسقاط حكومته، فثمة أكبر من مبرر لهذا التعامل الناعم، منها الخوف من أن يفضي التعامل المتشدد إلى إشعال فتيل الاحتجاجات وسط حساسية شديدة للمجتمع من قرار اعتماد وتعميم التوقيت الصيفي، ومنها رغبة رجال الأمن، في إتاحة فرصة للتلاميذ للتنفيس على بعض مواقفهم أو مواقف اسرهم من قضية التوقيت، والاشتغال بروية وهدوء على شروط إعادتهم إلى الفصل، كما أن احتمالات التأطير أو التحريض من «خارج» تبقى جد محدودة، ولا تفسر هذا التواتر الكبير في الاستجابة من عدد كبير من التلاميذ لهذه التظاهرات، خاصة في ظل شروط الوعي الطلابي الحالي الموسوم بقلة التسيس، يجعل فرضية التحريض مستبعدة أو على الأقل جد محدودة.
التفسير الذي أميل إليه، أن حراك التلاميذ العفوي والكثيف، لم يكن في حقيقته تعبيرا عن رأي طلابي، بقدر ما كان استجابة لحساسية شديدة، امتدت لحوالي أسبوعين ـ منذ زمن اتخاذ قرار اعتماد التوقيت الصيفي ـ في تعبيرات مضمرة لدى الأسر داخل البيوت وفي اللقاءات اليومية، ولم تستطع أن تتحول إلى فعل مجتمعي غاضب، فانعكس في صورة تعبيرات احتجاجية طلابية تجاوزت سقف القيم التربوية والثوابت الوطنية.
والقضية في الجوهر، ليست مرتبطة فقط بالتعبير الاحتجاجي المجتمعي المضمر عن قرار التوقيت، وإنما هي أكبر من ذلك، مما يتعلق بتزايد الغضب من الوضع الاجتماعي، ومن عدم وجود مؤشرات دالة على تحسن القدرة الشرائية للمواطنين، وأن الغضب من هذا الوضع تم تصريفه في شكل تعبير احتجاجي عارم ضد التوقيت الصيفي، من قبل تلاميذ يعبرون عن «غمغمات» أسرهم المضمرة في الشارع، ويقومون مقام هذه الأسر في نقل الاحتجاج، ولو بطريقة تتجاوز السقوف الدستورية والقانونية والأخلاقية، وتكشف عن واقع الإفلاس في القيم.
شكل الاحتجاج الطلابي يوحي بوجود هذه الحساسية المجتمعية، ومضمون الاحتجاجات يكشف مخاطر أكبر، تتعلق بنوعية الاحتجاجات التي يمكن أن يقودها في المستقبل جيل غير مسيس، ولا متشرب للحد الأدنى من القيم، ولا يكترث بأي أطر دستورية أو قانونية تنظم تعبيره الاحتجاجي، ويزيد هذا التحدي أكثر إن لم يتم المسارعة إلى تأطير هذا الجليل الجديد بمواصفاته وخصائصه، أو وضع شروط في السياسة والاقتصاد لتجاوز مبررات الاحتجاج وشروطه.
الآفة خطيرة، تدق ناقوس الخطر من توسع ظاهرة إفلاس القيم، لكنها في الوقت ذاته، تكشف أعطابا في الأوعية والقنوات التربوية والتثقيفية والإعلامية والدينية التي تضطلع بوظيفة بث هذه القيم، وتعيد التأكيد على مسؤولية أنظمة الوساطة السياسية والمدنية في التأطير، ومسؤولية السياسات الاجتماعية في خلق واقع أفضل يقلل من درجة الحساسية المجتمعية اتجاهه.
كاتب وباحث مغربي
المقال كاملا من المصدر اضغط هنا
from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2KbJXMs
via IFTTT
0 تعليق على موضوع "في تفسير الفورة الطلابية على التوقيت الصيفي في المغرب"
إرسال تعليق