-->
تكتيك إطفاء الحرائق

تكتيك إطفاء الحرائق

تكتيك إطفاء الحرائق

المواطنون في إسرائيل علموا، أمس، عن وقف إطلاق النار الذي أنهى جولة القتال في الجنوب، عن طريق حماس بواسطة قناة «الجزيرة»، وفي المقابل، امتنعت إسرائيل عن إعطاء معلومات أو تفسيرات. القرار نفسه بالامتناع عن شن حرب يعد شرعياً، حتى لو كان في نظر معظم الجمهور أمراً خاطئاً. أمام ناظري متخذي القرارات كان هناك ما يكفي من الأسباب لعدم الانجرار إلى اشتباك أوسع: الخوف من التورط، ومن إصابات كثيرة ودمار كبير، ومن الانزلاق إلى شتاء، ومن تحويل الانتباه الاستراتيجي عن الجبهة الشمالية، وبالطبع بمعرفة أنه في اليوم الذي سيعقب ذلك، لن يتغير شيء في غزة، بل بالعكس، الوضع فيها فقط سيزداد سوءاً.
كل ذلك كان على الحكومة أن تشرحه للجمهور. عدم القيام بذلك زاد الحرج والشعور التلقائي بأن حماس خرجت منتصرة. من الصعب أن تجد الآن شخصاً في غلاف غزة يعتقد أن الواقع الاستراتيجي في الجنوب قد تغير في الأيام الأخيرة؛ تجربة الحياة تعلمه أن هذا مسألة وقت (يبدو وقتاً قصيراً) إلى أن تتجدد النيران.
في الاختبار العملي الحياة أكثر تعقيداً. حماس تضررت أكثر مما أضرت؛ لقد فقدت أملاكاً مادية كثيرة، على الأقل خسرت منشأتين تعتبران استراتيجيتين بالنسبة لها. زعماؤها بقوا على قيد الحياة، ولكن هذا بسبب قرار إسرائيلي جاء من تقدير أن المس بهم يمكن أن يؤدي أيضاً إلى المس بأبرياء كثيرين. من المعقول أن هذا أيضاً كان ماثلاً أمام ناظري المنظمة عندما طلبت وقف إطلاق النار.

هناك إنجازات أيضاً

في المقابل، كان لحماس أيضاً عدد من الإنجازات، أبرزها هو النسبة العالية نسبياً للصواريخ التي لم يتم اعتراضها. من غزة أطلق في اليومين الأخيرين أكثر من 500 صاروخ وقذيفة: حوالي 100 سقطت في الأراضي الفلسطينية، وحوالي 100 تم اعتراضها، وحوالي 300 سقطت في مناطق مفتوحة وأكثر من 30 سقطت في مناطق مأهولة، تحديداً عسقلان وسدروت. هذا يدل على أن هناك مشكلة ما في نظام القبة الحديدية التي تحتاج إلى رد فوري.

في ظل غياب قرار بحل استراتيجي ستواصل إسرائيل سياساتها في التهدئة

كذلك فإن إصابة حافلة بصاروخ مضاد للدبابات قرب كفار عزة، هو إنجاز لحماس. يبدو أن انتظار نزول الجنود من الحافلة كان مقصوداً، ولكن الحادثة كلها هي خلل خطير (أو «إهانة»، حسب أقوال مصدر كبير). المناطق المكشوفة أمام النيران من القطاع معروفة جيداً، حتى أنه تم تحديدها مسبقاً والمصادقة عليها من قبل الجهات العليا، على اعتبار أنها تحتاج عدم الوصول إليها. حاجز للشرطة العسكرية وضع على مدخل نقطة المراقبة «سهم أسود»، ولكن سلوكاً إسرائيلياً نموذجياً أدى إلى السماح للقافلة، وفيها الحافلة وسيارات أخرى، بالمرور ـ وتقريباً التسبب بذلك بكارثة كبيرة.

الجيش الإسرائيلي نجح في تشويش «المفاجآت»، ومنها استخدام الطائرات المروحية المسيرة، ولكن في غزة امتنعوا بصورة مقصودة عن الارتقاء درجة في التصعيد، لذلك لم يحاولوا استخدام الأنفاق الهجومية، ولم يقوموا بتوسيع مدى الصواريخ إلى أسدود وبئر السبع.
في إسرائيل أيضاً حافظوا على التوازن. سبق كل قصف تحذير، وهكذا في غزة أحصي حتى أمس 14 قتيلاً و30 مصاباً بجراح خطيرة، وهو عدد منخفض يدل على أنهم في إسرائيل خافوا من أن عدد مصابين مرتفعاً في القطاع لن يترك خياراً في أيدي حماس وسيجبرها على توسيع القتال إلى درجة الانزلاق إلى معركة طويلة.
كما كتب هنا أمس، فإن الطرفين رغبا في الامتناع عن ذلك. بوساطة مصرية تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، الذي سيكون اختباره في التظاهرات على الجدار يوم الجمعة القادم. إسرائيل صممت خلال يومي القتال على عدم السماح بوصول الفلسطينيين إلى الجدار من أجل محاولة أن ترسخ من جديد الباروميتر الأمني على طول الجدار. من المعقول أن حماس ستحاول أن تتحدي ذلك بعد غد. ومشكوك فيه أن إسرائيل ستصمم على ذلك ـ من أجل عدم تجدد القتال.

اختبار الهدوء

ولكن اختبار التهدئة الجديد الذي تم التوصل اليه أمس سيكون أطول. سيطلب من حماس الحفاظ على كبح مطلقي البالونات والطائرات الورقية، والحفاظ على منع تجاوز الإبحار، وكذلك الحفاظ على وقف التظاهرات في شمال القطاع، وبعد ذلك أيضاً تقليص العنف في تظاهرات يوم الجمعة. وسيطلب من إسرائيل عدم العمل بصورة مكشوفة في غزة أو بصورة سرية. أثناء القتال تم وضع النشاط الخاص الذي قتل فيه المقدم م. جانباً، ولكن صداه وتداعياته ستواصل مرافقة هذا القطاع (والجيش الإسرائيلي) لفترة طويلة وسيطلب إيجاد رد بدون القليل من المعضلات المعقدة التي ثارت الآن.
بعد ذلك ستطرح مرة أخرى مسألة جثث الجنود والمواطنين الإسرائيليين المحتجزين في غزة، وكذلك مسألة الأموال. إذا لم يتم إدخال أموال نقدية إلى غزة فإن حماس ستحشر في الزاوية، والعنف سيتجدد. إذا تم إدخال الأموال فستتهم إسرائيل بأنها تساعد ليس فقط في إعادة تأهيل سكان القطاع، بل تساعد حماس أيضاً على إعادة بناء الأجهزة والقدرات التي فقدتها في الأيام الأخيرة (التي تقدر بأكثر من الـ 15 مليون دولار التي حولتها قطر).
كل ذلك سيضمن أن مشكلة غزة ستستمر في مرافقتنا أيضاً في الفترة القريبة القادمة. وفي ظل غياب قرار بحل استراتيجي، ستواصل إسرائيل إطفاء حرائق، وهذه سياسة شرعية وإن كانت خطيرة، لأنها تترك فضاء أوسع للمناورة للمنظمات الإرهابية في القطاع. علينا الأمل بأن قرار عدم تغيير ذلك الآن ـ حتى بثمن مس معين بالردع ـ لا يتضح لاحقاً أنه كان خاطئاً.

يوآف ليمور
إسرائيل اليوم 14/11/2018

المقال كاملا من المصدر اضغط هنا

Essa



from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2QEGdoZ
via IFTTT

0 تعليق على موضوع "تكتيك إطفاء الحرائق"

إرسال تعليق

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel