-->
نتنياهو مستعد للمخاطرة مقابل الهدوء في غزة

نتنياهو مستعد للمخاطرة مقابل الهدوء في غزة

نتنياهو مستعد للمخاطرة مقابل الهدوء في غزة

بعد يوم القصف الأكثر كثافة الذي سجل في جنوب البلاد، وهو أشد من الأرقام العالية في عملية الجرف الصامد، قرر اليوم الكابنت الإسرائيلي الأكثر يمينية الذهاب إلى وقف لإطلاق النار مع حماس في القطاع. صحيح أن البيان الرسمي صيغ بلغة ضبابية (الكابنت أصدر تعليماته للجيش «بمواصلة العمل كلما لزم الأمر»). ولكن معناه اتضح في الظهيرة: الجيش الإسرائيلي أوقف إطلاق النار، وكذلك أيضاً التنظيمات الفلسطينية في القطاع التي من ناحيتها اعترفت بذلك صراحة.
هذه الأمور جرت خلافاً لجزء كبير من الأقوال التي سمعت في التلفاز منذ بدء جولة الهجمات الحالية مساء يوم الأحد. اتخذ القرار رغم ضغط الجمهور والانتقاد المتزايد في وسائل الإعلام لما وصف بسياسة الرد الضعيف للحكومة. ليس مستبعداً أن يكون هذا الرد مرتبطاً أيضاً بضرر سياسي. مع ذلك، يبدو أن رئيس الحكومة نتنياهو مصمم على ذلك بصورة تناسب تماماً أقواله في المؤتمر الصحافي في باريس في بداية هذا الأسبوع، نتنياهو يفضل الهدوء على حرب في غزة ـ وهو مستعد لأخذ مخاطرة ليست بسيطة من أجل التوصل إليه.
كان القرار مرتبطاً بخلافات في الكابنت، خلافاً للتسريبات الأولى، فقد اهتم الوزير بينيت والوزير ليبرمان بالتأكيد بعد النقاش على أنهما لا يؤمنان بالتسوية. في المقابل، يحظى نتنياهو بتأييد رؤساء جميع الأجهزة الأمنية الذين يعتقدون بأنه لا يوجد مبرر لشن حرب في غزة الآن، حتى بعد الإطلاقات الثقيلة في اليومين الأخيرين. وحسب أقوال مشاركين في الجلسة فإن نتنياهو لا يرى في أحداث الأيام الأخيرة أي تغيير جوهري في الوضع على الأرض. من ناحيته كان التصعيد أمراً تكتيكياً فقط، يعيد الطرفين إلى النقطة نفسها التي كانت في محادثات التسوية، وبالتأكيد ليس أمر يجب أن يفرض أي تغيير على المستوى الاستراتيجي. كذلك أضاف الحضور أنه وبدرجة ما، يفهم ضغوطات حماس أيضاً.

كما أن هناك متغيراً لعب دوراً في هذا القرار: التوقيت. على خلفية حقيقة أن الجولة الحالية اندلعت بسبب خلل إسرائيلي غير مخطط له في القطاع وبدون قدرة على مفاجأة حماس، فالتفسير هو أنه في وضع كهذا سيكون أصعب على إسرائيل استعراض قوتها. مع ذلك، حتى لو لم يقل هذا بصورة علنية، فإن الكابنت يستعد لاحتمالية أن الخطط والاتصالات للتسوية ستتشوش مرة أخرى والجنوب سيشتعل. في حينه فإن خيار الدخول البري إلى غزة سيطرح مجدداً على الطاولة، وربما أكثر من ذلك.

الكابنت قرر مرة أخرى التوجه نحو وقف إطلاق النار رغم جولة العنف الأشد

نتنياهو صرح في السابق عن اعتباراته طوال الوقت: هو يعتقد أن عملية برية في غزة يمكن أن تتعقد وتكلف ثمناً باهظاً، وهو يخشى من أنه لن يكون هناك من سيأخذ الحكم في القطاع حتى لو طردت إسرائيل حماس من هناك. لقد كان كما يبدو لذلك أسباب أخرى. فرئيس الحكومة يعتقد أنه يمكنه مواصلة تحسين العلاقات مع دول الخليج بعد الزيارة العلنية في عمان، وربما الاستعانة بها من أجل ضخ الأموال للقطاع وتخفيف مشاكل البنى التحتية هناك. بقي أيضاً التهديد الإيراني في سوريا ولبنان، الذي حسب رأي نتنياهو يحتاج إلى اهتمام وتخصيص موارد.
رئيس الحكومة أخذ على مسؤوليته كما يبدو مخاطرة ليست قليلة. جهود التسوية يمكن أن تتشوش مرة أخرى مثلما حدث في مرات كثيرة مؤخراً. لقد تولد أيضاً الانطباع بأن زعماء حماس يعتقدون أنه باستطاعتهم أن يرفعوا في كل مرة من جديد سقف العملية العسكرية ضد إسرائيل، دون أن يدفعوا في المقابل ثمناً باهظاً. في الوقت الحالي قرار الكابنت أن يعيد الهدوء إلى بلدات غلاف غزة حتى اندلاع المواجهة القادمة.

إشارات من غزة

الأرقام التي سجلت حتى الظهيرة هي أرقام مجنونة. أكثر من 450 صاروخاً وقذيفة أطلقت من القطاع. معظمها وجهت نحو بلدات الغلاف، وعدد قليل منها وجه نحو مدن جنوب البلاد. يبدو أيضاً أن هناك محاولة لحماس والتنظيمات الفلسطينية لتحدي أنظمة الدفاع الإسرائيلية. القبة الحديدية اعترضت عدداً كبيراً من الصواريخ التي ربما كانت ستسقط في مناطق مأهولة. ولكن صاروخاً أصاب مبنى قديماً (بدون غرف آمنة) في عسقلان أدى إلى إصابات ـ قتيل ومصابتين بإصابة بالغة. ومثلها أيضاً كانت هناك فجوة خطيرة في نظام الحماية للجيش مكنت من إصابة صاروخ مضاد للدروع لحافلة قرب الجدار وإصابة جندي بصورة بالغة.

الرد الفلسطيني جاء بعد فترة هدوء استمرت ساعات طويلة بعد تشوش عملية القوة الخاصة للجيش في عمق القطاع في خانيونس. لم تكتف حماس بتسويق الرواية التي تقول إنها صدت توغلاً إسرائيلياً وقتلت ضابطاً كبيراً في الوحدة الخاصة. يبدو أن حماس أرادت إعطاء إشارة بأن ردها على الاختراق في أراضيها (بالنسبة لها، خرق سيادتها) تقتضي بأن يكون أكثر شدة، هذه بالفعل محاولة لإملاء قواعد لعب جديدة: حتى نشاط سري يتم كشفه في أراضيهم ـ وشبيهاً به يقوم الجيش أيضاً في حدود أخرى من الدولة ـ سيؤدي إلى قصف شديد للأراضي الإسرائيلية.
ربما يكون قرار حماس الرد بشدة تأثر من التصريحات المتكررة لنتنياهو، التي حسبها قال إنه غير معني بالتصعيد. يبدو أن قادة حماس أنفسهم فوجئوا كل مرة من جديد من الرد الإسرائيلي المحدود على إطلاق الصواريخ، في كل مرة من جولات العنف السابقة في الأشهر الأخيرة. وطبقاً لذلك زادت الشجاعة الفلسطينية أيضاً من جولة إلى أخرى.

فشل مضادات الدبابات

الحدث الأكثر قلقاً في اليوم الذي سبق وقف إطلاق النار يمكن أن يعكس اختياراً عملياً لحماس بأن لا تصعد التوتر الآني إلى درجة حرب شاملة. القصد هو فيلم الفيديو القصير الذي نشرته حماس وتظهر فيه إصابة الحافلة الإسرائيلية قرب الجدار في ظهيرة أول أمس. في الفيلم الوثائقي يظهر جيداً كيف أن سائق الحافلة دخل إلى منطقة ليس بينها وبين الحدود أي حماية، وهكذا كان مكشوفاً بشكل كامل أمام صاروخ مضاد للدبابات. في المحيط يظهر عدد من المركبات الصغيرة، معظمها عسكرية وإلى جانبها جنود.
الصاروخ فجر الحافلة وأصاب جندياً كان يقف قربها. الحافلة التي أصيبت نقلت قوة تعزيز تم إرسالها إلى المنطقة، ودقائق معدودة قبل ذلك فقط نزل منها عشرات الجنود. رغم أن هذا الجزء لا يظهر في فيلم حماس، إلا أنه يمكن أن نفهم منه أن خلية مضادات الدبابات التابعة لها خبيرة بكل التفاصيل واختارت إطلاق الصاروخ في الوقت المناسب.
مشاهدة الفيلم تقشعر لها الأبدان وتثير الغضب. مع كل الحذر المطلوب يجب القول بأنه لا يمكن بهذه الصورة أن يتصرف جيش هو في حالة حرب. هذه الدروس كان يجب تعلمها بالدم بعد أخطاء سابقة من إطلاق مضادات الدبابات في عملية «عمود السحاب» في القطاع (2012 وقبلها) وفي حادثة منحدرات هار دوف على حدود لبنان، التي قتل فيها ضابط وجندي في كانون الثاني 2015. في الجيش توجهات ثابتة تقول إنه يجب إغلاق خط الجدار ومناطق الدخول الموجودة أمام حركة المدنيين (باستثناء سكان المنطقة الذين يسافرون لأغراض ملحة). وعدم كشف سفر إداري غير محمي للنار المباشرة. إضافة إلى ذلك فإن حركة المركبات في المنطقة نفسها تم وقفها قبل بضع ساعات بالضبط بسبب الخوف من إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات.
العقيدة العسكرية تقضي بإبعاد مناطق دخول الوحدات إلى خلف مدى المدفعية التكتيكية للعدو. في حالة حماس ـ مدى 5 كم من نيران القذائف. هذا الخلل يعود ويخلق انكشافاً مبالغاً فيه لنار المدفعية، وهذه المرة أيضاً لكمين مركز من مضادات الدبابات، رغم أنه سبق أن كلف ذلك قتلى، ووجهت له انتقادات حتى في عملية الجرف الصامد. لقد كان يمكن التوقع من الجيش الإسرائيلي إدارة متشددة أكثر للحركة في المناطق القريبة من الجدار ـ وهذا خطأ كبير يقتضي تحقيقاً جدياً. أمس، أعلن الجيش عن تشكيل لجنة تحقيق برئاسة ضابط برتبة عميد لفحص ظروف الحادثة.
قذائف الهاون أيضاً تبدو مشكلة تجد إسرائيل صعوبة في التعامل معها. منذ سنوات يبدو أن ثمة صعوبة للجيش الإسرائيلي في مواجهة نيران مائلة المسار قرب الجدار في القطاع، وضرب خلايا الإطلاق. خلافاً للصواريخ، معظم مدافع الهاون هي ثابتة ولا يتم تحريكها من مكان إلى آخر أثناء القتال. إطلاقها المتواصل يمكن أن يدل على أن حماس قطعت شوطاً كبيراً في محاولة تعويض الإصابة الإسرائيلية المنهجية لسلاحها الهجومي الرئيسي حتى الآونة الأخيرة، ألا وهو الأنفاق.

سؤال آخر يتعلق بنوعية الأفكار الهجومية التي لدى الجيش الإسرائيلي. خلال الجولات الأخيرة، الانطباع هو أن ذلك الرد الذي يستند إلى المس بمواقع حماس وحتى بالمباني متعددة الطوابق التي تمكنت حماس من إخلاء سكانها، لن يحول في هذه الأثناء قيادة حماس عن أهدافها. يبدو أن اللغة العسكرية الجديدة حتى التي تبشر بتصريحات الناطق بلسان الجيش عن مهاجمة هدف إرهابي خاص لحماس، لم تستوعب جيداً في أوساط الجمهور الإسرائيلي. هذه الصيغة يمكن أن تسمع كتبجح (أو كإعلان عقاري)، حتى لو كانت وجهة إسرائيل نحو وقف إطلاق نار طويل المدى، وهذا بالتأكيد أفضل من الحرب، ربما أنه بنظرة إلى الوراء ستكون هناك حاجة لإعادة فحص قرار التقدم بسرعة كهذه نحو وقف إطلاق النار. كما تبدو الأمور في هذه الأثناء، فإن حماس تبث بأنها هي المنتصرة وأن الخطوات الإسرائيلية لم تذكرها بعد بالفجوة في القدرات بين الطرفين. هذه نقطة انطلاق إشكالية للوصول منها إلى اتفاق على وقف طويل المدى لإطلاق النار.

عاموس هرئيل
هآرتس 14/11/2018

المقال كاملا من المصدر اضغط هنا

Essa



from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2zSCPji
via IFTTT

Related Posts

0 تعليق على موضوع "نتنياهو مستعد للمخاطرة مقابل الهدوء في غزة"

إرسال تعليق

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel