-->
تراكم العنف الإسرائيلي وانتهاك الأعراف الإنسانية

تراكم العنف الإسرائيلي وانتهاك الأعراف الإنسانية

تراكم العنف الإسرائيلي أدّى بالضرورة إلى استفزاز المقاومة الفلسطينية، والمشهد الأكثر افتضاحا مواصلة الدول العربية التعويل على أمريكا في إحياء عمليّة السّلام، وهي التي تُجاهر بإدارة الأزمة، بدون أدنى استعداد للتسوية أو الحلّ الفعليّ.
فبعد أعمالها القذرة في الخليج، وكلّ ما سبّبته من قتل وتدمير وانتهاك لحقوق الإنسان، في ظلّ حصار الشعب العراقي، ثمّ أثناء الغزو، ليس في ميزان حسابات الولايات المتحدة تحقيق السلام في الشرق الأوسط على الإطلاق، وهي في تناغم مع بعض الدول العربية، خاصّة عملاء واشنطن من بعض دول الخليج العربي، وهي تحديدا السعودية والإمارات، وهؤلاء في غنى عن الهمّ العربي، الفلسطيني منه وغير الفلسطيني ما دام السّكوت عن استبدادهم وعدم مطالبتهم بالدّيمقراطية أمرا سائرا يخدم حماية عروشهم. وهي رغبة واشنطن في ترتيب مسرح الشرق الأوسط وفق رغباتها، بدون تدخّل أوروبا التي تركت المسرح الدولي في الشرق الأوسط في يد الولايات المتّحدة الأمريكية منذ عقود.
وتأسيسا على ما تقدّم لم يتحقّق أيّ اتّفاق عربي إسرائيلي منذ 1967 بدون أمريكا، ومنذ ذلك الحين اسرائيل هي الرابحة والعرب خاسرون، وبالتالي فأمريكا لا يُرجى منها شيء يُذكر في أيّ حلّ سياسيّ أو مفاوضات تكون هي طرفا فيها، فمثل هذا التفرّد الأمريكي بالشرق الأوسط لا يُمكن أن يُنتظر منه وضع نهاية للصراع العربي الإسرائيلي، فإسرائيل قوّت من قبضتها على الفلسطينيين بدعم من واشنطن، والقادة الإسرائيليون منذ مفاوضات أوسلو يتّفقون حول وجهة نظر واحدة، صرّح بها منذ ذلك الحين رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية شلومو جازيت، الذي شارك في المفاوضات «السرية» وتنسيق الترتيبات الأمنية في اتّفاق أوسلو، واعتبر أنّ مهمّة إسرائيل الأولى لم تتغيّر، وموقع إسرائيل في قلب الشرق الأوسط العربي الاسلامي يُعطيها، حسب اعتقاده، ميزة التحكّم في الاستقرار لدول الإقليم، والحفاظ على النظام الدولي القائم، والحيلولة دون ظهور توجّهات قومية ثورية في العالم العربي، وقطْع الطريق على ظهور حركات إسلامية أصولية.

الارتباط الأمريكي الدائم بإسرائيل وتقديمها الدعم اللامتناهي لهذا الكيان من أهمّ أسباب التوتّر في منطقة الشرق الأوسط

 لا جدال في أنّ أمريكا «وليّ النعمة الكبير» الذي وفّر لإسرائيل منذ حرب 1967 مستوى من الدّعم، قزّم مستويات الدّعم المتوفّرة لأي دولة أخرى. ويجمع على ذلك الباحثون الأمريكيون والإسرائيليون، وهذا الدّعم وصل سنة 2003 إلى ما يزيد عن 140 مليار دولار، حسب تقارير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهو في تزايد إلى الآن. وتنفرد إسرائيل بأنّها الوحيدة التي لا تُطالبها أمريكا بتقديم كشف عن سُبل صرف المساعدة التي تتلقّاها. حينئذ يصبح تمويل الصناعات الحربية الدفاعية والهجومية من أولويات هذا الكيان، في توظيف هذه المخصّصات، إضافة إلى بناء المستوطنات التي تكتفي أمريكا بالتنديد بها لا غير. ومثل هذا الارتباط الأمريكي الدائم بإسرائيل وتقديمها الدعم اللامتناهي لهذا الكيان، يُعدّ من أهمّ أسباب التوتّر في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أنّ هذا الفعل هو الدافع الرئيس لاستفزاز العرب والمسلمين الذين يؤمنون بالقضية الفلسطينية، ويرفضون زرع كيان غاصب يقتلُ ويُشرّد ويحاصر بأسلحة أمريكية، ويتلقّى الدعم السياسي والدبلوماسي من المؤسسات الأممية التّابعة، وهو يجتهد من خلال لوبي الايباك وغيره في جعل الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل مصلحة قومية أمريكية، مع أنّه ليس كذلك في حقيقة الأمر.

واليوم يشاهد العالم إسرائيل المُثقلة بهمّ جرائم الماضي والحاضر تندفع بقوّة نحو عنف متواصل، ترى أنّه كفيل بالقضاء على الطموح الفلسطيني في الاستقلال وتحقيق السلام، وما يشغل بال العقل الإسرائيلي كان دوما عدائية الحالة العربية، وعدم تقبّلها، والدفع باتّجاه تفكيكها إلى طوائف، باعتبار أن الحالة الطائفية هي حليف طبيعي لإسرائيل، فعندما تتحوّل الأوطان العربية إلى طوائف تصبح إسرائيل الطائفة الكبرى والأكثر تنظيما، وتُتاح لها إمكانيات التحالفات التي اشتغلت عليها إلى أبعد مدى، خاصة في السنوات الأخيرة وملامح التطبيع التي تتّضح هذه الأيام تبدو من ثمرات هذا العمل الاسرائيلي الذي بحثت عنه ووجدت ضالّتها في بعض دول الثراء النفطي. وهو أمر يشي بخيانة القضية العربية الأولى، التي لم تجد إلى الآن وعلى نطاق عالمي من يتبنّاها حقيقة، مثلما وجدت باقي قضايا النضال المختلفة في العالم، والغرب الذي تسبّب في المشكلة الفلسطينية، هو من راهن على فنّ إدارة الأزمة بدون العمل على حلّها، ورغم المتغيّرات المتسارعة في النظام الدولي، مع تنافس القوى الكبرى، وبداية تغيّر المشهد السياسي العالمي نحو تعدّد الأقطاب، والضغط الذي يسعى لإخراج الأمم المتحدة من كونها مجرّد هيئة تابعة لواشنطن لمدّة عقود متتالية، ما من مبادرة عملية للسلام الدائم من شأنها تمكين الفلسطينيين من دولة مستقلة، فقط نرى الهمّ الأمريكي الأكبر، هو احتواء الحضور الرّوسي القويّ في سوريا، ومجابهة تنافس غير معهود مع القوى الدولية الصاعدة، أمّا العرب فلا وجود لهم خارج منطق الاستسلام والمغالطة والتبرير، وإفلاس منظومة الحكم السياسي في أغلب دول المنطقة انتهى بهم إلى إخفاق ذريع في بناء المشروع الوطني الديمقراطي ورديفه المشروع القومي العربي بما يعنيه من استراتيجيات مشتركة.
كاتب تونسي


المقال كاملا من المصدر اضغط هنا

Rim



from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2QWsvOc
via IFTTT

0 تعليق على موضوع "تراكم العنف الإسرائيلي وانتهاك الأعراف الإنسانية"

إرسال تعليق

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel