
مصير بن سلمان بين الصهيونية المسيحية و”الاستبلشمنت” الغربي

رغم تراجع سخونة التعاطي الإعلامي في ملف اغتيال جمال خاشقجي، خلال الأسبوع الأخير، يستمر عمليا وحاضرا في أجندة الدول الغربية أساسا، ويستمر معه مستقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان معلقا بين يدي القوى الغربية الكبرى. ويتراوح مصير هذا الشاب المفرط في طموحه السياسي فوق العادة بين موقف الصهيونية المسيحية العالمية، التي ترغب في بقائه واستمراره والمؤسسات العميقة في الغرب، ومنها في الولايات المتحدة التي ترفض استمرار توليه العرش السعودي مستقبلا، بسبب المخاطر التي قد تترتب عن وصوله إلى السلطة المطلقة.
وبعد مرور 40 يوما على اغتيال الصحافي خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول من طرف كوماندو، يُفترض تشكله بأوامر مباشرة من ولي العهد محمد بن سلمان، ووفق تحاليل مراكز الدراسات الاستراتيجية والتعاطي الإعلامي، ومواقف الهيئات السياسية والأمنية، يستمر الترقب في البت النهائي في مصير ولي العهد محمد بن سلمان، وهذا يعني أن القضية لم تحل للحفظ. وهذا البت سيحدث بطريقة غير مباشرة، بحكم عدم امتلاك الدول الغربية السلطة التنفيذية المباشرة لطرده من منصبه، فهذا شأن من اختصاص هيئة البيعة السعودية، لكنها تملك أدوات أخرى منها الضغط والمقاطعة والتهديد بالمحاكمة الدولية. في هذا الصدد، يتراوح مصير بن سلمان بين فريقين، الأول الصهيونية المسيحية العالمية والمجموعات الإنجيلية، التي تشارك في صناعة القرار في الولايات المتحدة، والفريق الثاني يتجلى فيما يصطلح عليه «الاستبلشمنت الغربي» وهو الهيئات والشخصيات التي تشكل ما يعرف بالدولة العميقة، التي تحافظ على توازن البلاد واستمرارها من المخاطر الداخلية والخارجية. وترغب الصهيونية المسيحية العالمية في استمرار ولي العهد محمد بن سلمان في منصبه وتوليه عرش السعودية مستقبلا، ما يفسر لماذا استقبل ولي العهد مجموعة إنجيلية متطرفة في تأييدها لإسرائيل الشهر الماضي، وبرر ذلك باسم التسامح الديني، لكن الحقيقة هي إدراكه ومساعديه للدعم الذي سيحصل عليه من طرف هؤلاء الإنجيليين، لكي يقنعوا الرئيس الأمريكي ترامب بضرورة استمرار بن سلمان في المنصب. وهنا لا يحضر فقط العامل السياسي في اللقاء وأهدافه، بل العامل الديني بحكم اعتقاد الإنجيليين في روايات دينية قد تحدث في الشرق الأوسط لديها علاقة بعودة المسيح، وأن تعزيز نفوذ إسرائيل وهيمنتها ضروري، وبالتالي دعم كل من يقف الى جانب إسرائيل ولو من الديانة الإسلامية. ويلتقي هذا الفريق مع رغبة بعض الدول العربية مثل مصر والإمارات العربية والبحرين، التي ترى في محمد بن سلمان شخصية محورية لمشاريعها في الشرق الأوسط. كما يلتقي هذا الفريق مع رغبات إسرائيل التي كتب منظروها في السياسية وبعض قيادييها أن بن سلمان هو الرجل الذين ينتظرونه في العالم العربي منذ خمسين سنة.
وفي الجانب الآخر، يوجد عدد من قادة الدول الغربية، خاصة المؤسسات التي تشكل ركيزة الدولة، والشخصيات التي تعتبر محورية في صنع القرار، لا ترغب في رؤية بن سلمان في ولاية العهد وكرسي الملك مستقبلا، بسبب طيشه وتهوره السياسي. ولا يهتم هذا الفريق بمحمد بن سلمان، فهو في آخر المطاف شخص واحد ويمكن الاستغناء عنه، ولكن ما يهم الاستبلشمنت الغربي، استمرار آل سعود في حكم السعودية، حتى لا يسقط بلد غني بالنفط في الفلك الروسي- الصيني في حالة وقع تغيير جذري بنهاية الملكية.
ما يهم الاستبلشمنت الغربي، استمرار آل سعود في حكم السعودية، حتى لا يسقط بلد غني بالنفط في الفلك الروسي- الصيني
ويشمل هذا الفريق قادة من البنتاغون والاستخبارات الأمريكية والفرنسية والبريطانية، وقادة سياسيين من مجالس النواب والشيوخ. وهناك أصوات تعبّر عن مواقف هؤلاء، رغم عدم تحملها المسؤولية الإدارية أو السياسية المباشرة، ولكنها تكون دالة في تصريحاتها، وخرجت إلى الإعلام لتكشف مواقف هذا الاستبلشمنت. ومن ضمن الأمثلة المعبرة في هذا الصدد، مدير الاستخبارات البريطانية السابق، جون ساورز وهو وجه من وجوه الاستبلشمنت، يشير إلى مسؤولية ولي العهد في اغتيال جمال خاشقجي. وبدوره يشير المدير السابق للمخابرات الأمريكية (سي أي إيه) جون برينان إلى ولي العهد كفاعل رئيسي في عملية الاغتيال. كما أن المخابرات الأمريكية هي التي دفعت الرئيس الى التخلي عن فكرة الدعم الكامل لولي العهد، بعدما استمعت مديرة هذا الجهاز جينا هاسبل الى أشرطة صوتية حول الجريمة نقلتها الى الرئيس ترامب وجعلته يتراجع عن أي تأييد لولي العهد.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
شاهد أيضا
Rim
from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2FhHYav
via IFTTT
0 تعليق على موضوع "مصير بن سلمان بين الصهيونية المسيحية و”الاستبلشمنت” الغربي"
إرسال تعليق