إسرائيل وضم الضفة… بين تحقيق المصلحة الأمنية ونهاية الحلم الصهيوني
منذ 13 ساعة
كم من السهل أن تكون جدعون ليفي المختص في تقسيم العالم ببساطة كبيرة إلى أخيار وأشرار. وبصورة ورعة وشديدة يضع 99 في المئة من أبناء دولته في طرف الأشرار. “الخروج الآن ضد الضم يسيء إلى التورع والتملق…مع محاربي عدالة مثل هؤلاء، بفضل الفاشيين العلنيين”، كتب ليفي (“هآرتس”، 5/4). في تطرقه إلى عريضة الـ 220 ضابطاً وعضواً ومؤيداً لحركة “قادة من أجل أمن إسرائيل”، التي نشرت في “هآرتس” الجمعة الماضي، والتي تطلب من بني غانتس وغابي أشكنازي العمل على منع عملية ضم أحادية الجانب. أقوال ليفي هي عرض مدهش على عدم الوعي الذاتي في مقال كله تورع.
الهدف السامي لحركة “قادة من أجل أمن إسرائيل” التي شكلتَها قبل خمس سنوات، هو “تعزيز أمن إسرائيل كدولة ديمقراطية، مع أكثرية يهودية مستقرة لأجيال، بروح قيم وثيقة الاستقلال”. رؤية الحركة تقول إن الحل الأمني – السياسي الوحيد الذي يحافظ على هذا الهدف الأسمى هو “دولتان لشعبين”، يكون مشمولاً في اتفاق إقليمي، ولكن هذا الحل غير قابل للتطبيق في هذه الأثناء لأسباب معروفة. وأحد الدلائل على صعوبة تطبيقه يكمن في “صفقة القرن” لصاحبها ترامب، التي فشلت في خلق شريك في الطرف الفلسطيني أو الإقليمي، وكذلك هناك في الجانب الإسرائيلي ممن يؤيدون الاتفاق انتقاد لكثير من عناصرها. ولكن الآن وفي ظل غياب إمكانية حل الدولتين، ممنوع أن يشكل اتفاق مستقبلي ذريعة لإغلاق الباب، وفي الوقت نفسه إشعال المنطقة والمس بأمن مواطني إسرائيل واقتصادها بواسطة القيام بخطوات ضم خطيرة.
مئات من زملائي يخشون من أن الضم الآن سيجبر الجيش الإسرائيلي على إعادة الجنود إلى شوارع نابلس وقلقيلية وأزقة القصبات في المدن، ويعيد الإدارة المدنية إلى أيامها “الجيدة” والغالية التي أدارت فيها إسرائيل ومولت احتياجات السكان الفلسطينيين.
هذا ما سيحدث؛ لأن الضم حتى لو كان جزئياً، سيوضح للفلسطينيين بأن إسرائيل قد اتخذت قراراً بإنهاء عهد التسويات، وتخليد سيطرتها في يهودا والسامرة، وأن تقرر هي نفسها حدود سيطرة الفلسطينيين ووضع نهاية لحلم استقلالهم. والفلسطينيون الذين عملوا حتى الآن من أجل تطبيق تعاون مع إسرائيل وتهدئة المنطقة، وعلى رأسهم قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية، سيفقدون مرة واحدة ما بقي من شرعيتهم الجماهيرية. وفي مناخ لا يتساوق فيه تعاون أجهزة الأمن الفلسطينية مع قواتنا مع حلم الاستقلال الفلسطيني، بل يعتبر خيانة وتعاوناً مع الاحتلال، فإن المسافة ستكون قصيرة حتى انهيار هذه الأجهزة. وأيضاً الوصول إلى الفوضى التي تستعد حماس لاستغلالها أفضل من الآخرين.
هكذا ستضطر إسرائيل إلى إعادة السيطرة على المدن الفلسطينية التي خرجت منها في العام 1995 في أعقاب اتفاقات أوسلو. وجدعون ليفي يتهمنا بأن تبريراتنا مثلما ظهرت في الوثيقة “تتعلق فقط بالضرر الذي سيلحق بإسرائيل، والثمن المادي الذي سيجبيه منا الضم”. نعترف بالتهمة، نحن نرى أمام ناظرينا في المقام الأول مصالح إسرائيل الأمنية والاقتصادية والقيمية.
مصلحة إسرائيل الأمنية هي عدم إدخال الجنود إلى المدن الفلسطينية، وعدم تفرغ الجيش النظامي لمهمات شرطية على حساب الاستعداد للحرب. ولم ننس جهود لجنة التحقيق بخصوص الثمن الذي جباه الانتشار في المناطق زمن الانتفاضة الثانية على حساب الأداء في حرب لبنان الثانية. ومصلحة إسرائيل الاقتصادية هي أن لا نتحمل تكاليف تمويل حياة ملايين الفلسطينيين، التي تقدر بمبلغ 52 مليار شيكل في السنة. لأن هذه التكاليف ستقع على الاقتصاد الإسرائيلي الذي هو مضعضع في هذه الأثناء بسبب تكاليف أزمة كورونا. نحن نخشى أيضاً من تداعيات ضم ملايين الفلسطينيين على طابع دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
مواقف اليمين المتطرف حول الضم المسيحاني ومواقف اليسار المتطرف الذي هو مستعد للتنازل مسبقاً عن كل الذخر الأمني الإسرائيلي، تجتمع حتى توصل إلى نتيجة واحدة: كارثة وطنية تتمثل بـ “دولة واحدة لشعبين” ومعها نهاية الحلم الصهيوني. هذا ربما يكون حلم جدعون ليفي، ولكن لنا حلم آخر وهو حلم الدولة الديمقراطية الآمنة مع أكثرية يهودية ثابتة لأجيال.
بقلم: أمنون ريشف
هآرتس 10/4/2020
الرابط الاصلي للخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
from WordPress https://ift.tt/39XHvo0
via IFTTT
0 تعليق على موضوع "إسرائيل وضم الضفة… بين تحقيق المصلحة الأمنية ونهاية الحلم الصهيوني"
إرسال تعليق