-->
إخلاء الخان الأحمر لا يبدو في الأفق

إخلاء الخان الأحمر لا يبدو في الأفق

مناظر القرية البدوية الخان الأحمر بمحاذاة الشارع رقم 1 في المنطقة التي تقع فيها مستوطنة كفار أدوميم تروي بصمت قصة التجميد التي وصل إليها صراع الحكومة لإخلاء هذه النقطة الصغيرة، التي تحولت إلى رمز عالمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني في مناطق ج. الشوارع الخاصة التي تم شقها كتمهيد للإخلاء بقيت فارغة. البوابة الحديدية التي وضعت على المدخل عند النزول من الشارع 1 نحو البحر الميت مفتوحة على مصراعيها. بصورة غير معقولة فإن نية إخلاء القرية حسنت بصورة مدهشة الوصول إليها.
تجميد إخلاء القرية استهدف كما يبدو تمكين تجديد المفاوضات بين الدولة والسكان، في ظل الضغط الدبلوماسي الشديد على إسرائيل والخوف من خطوات تتخذ ضدها من قبل محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. عملياً، لا توجد في هذه الأثناء دلائل على وجود محادثات كهذه. تقديرات الأجهزة الرسمية والسياسية هي أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يريد «إطالة الوقت»، حسب قول هذه الجهات، إلى أن يتبدد أحد هذين الضغطين الرئيسيين: إما من محكمة الجنايات وإما ضغط اليمين.
في الخان الأحمر يعيش بضع عشرات العائلات من قبيلة الجهالين. وأصل هذه القبيلة من النقب، وقد تم طردها من هناك في الخمسينيات، وهم يعيشون في أكواخ من الصفيح وفي الخيام التي تستخدم أيضاً للأغنام. صراع إسرائيل على إخلاء هذا التجمع استمر عشرات السنين. منذ السبعينيات يوجد طلب موثق لرؤساء المستوطنين من أجل إخلائها. بعد ذلك بدأت الإدارة المدنية بالتخطيط، وفي العقد الماضي بدأ نشطاء اليمين ومن بينهم جمعية «رغفيم» بحملات لتسريع عملية الإخلاء.

من ناحية التخطيط، تم بناء مبان بدون ترخيص من الإدارة المدنية على الأراضي التي تعتبر أراضي دولة. هذا هو السبب الرسمي لعملية التهجير، والذي وافقت عليه محكمة العدل العليا رغم أنه في المقابل تمت تسوية وضع عدد من المواقع المشابهة في السنوات الماضية. وقرب قرية كفار ادوميم وشارع رقم 1، تعد أيضاً من ذرائع الطرد. ولكن القانون الدولي ينص على أن إخلاء السكان المحتلين قسراً هو أمر غير قانوني. المجتمع الدولي تجند للدفاع عن السكان، وفي الموقع أقيم ضمن أمور أخرى «مدرسة الإطارات» بدعم أوروبي. في البداية خططت الدولة لإسكان السكان في موقع «جهالين غرب» قرب قرية العيزرية. خلال النقاشات في المحكمة العليا اقترح موقع بديل قرب محطة لتكرير مياه المجاري في منطقة متسبيه يريحو.
في أيلول/سبتمبر الماضي رفضت المحكمة العليا التماساً للسكان، وطلب منهم إخلاء بيوتهم بأنفسهم. خلال ذلك بدأ الإعداد لإخلائهم بالقوة. في الشهر الماضي حيث بدا أن كل شيء معد للتحرك فاجأ نتنياهو وأمر بوقف إجراءات الإخلاء.
وحسب مصادر في مكتب رئيس الحكومة النية كانت «محاولة استنفاد المفاوضات والاقتراحات التي تم تنظيمها من قبل جهات مختلفة». ولكن حتى الآن ليس معروفاً ماذا كانت تلك القرارات.
تعليمات نتنياهو بخصوص تأجيل إخلاء القرية أثار المعارضة في البيت اليهودي. اثنان من أعضاء الكنيست، بتسلئيل سموتريتش وموتي يوغف، يؤيدان النضال من أجل الإخلاء. وقد سميا القرار «ضعفاً غير مسبوق»، وممثليهما في الحكومة، الوزير نفتالي بينيت والوزيرة اييلت شكيد، انضما لهذا الانتقاد.
وزير الدفاع السابق افيغدور ليبرمان عارض ذلك أيضاً وأعلن بأن «قرار تأجيل إخلاء الخان الأحمر اتخذ خلافاً لموقفي، ورغم معارضتي الشديدة له». نتنياهو اضطر إلى إحضار القرار لمصادقة الكابنت السياسي الأمني عليه.
ما حدث في ذاك النقاش الذي تمت بعده المصادقة على التجميد المؤقت للإخلاء، كشف فيما بعد من خلال أقوال ليبرمان وبينيت في الخطابات التي ألقياها في ظل الأزمة الائتلافية. وحتى قبل استقالة ليبرمان، قال في مؤتمر عقد في القدس بلهجة متسامحة أكثر بأنه لا يرى أي مشكلة «مع رئيس الحكومة والمستشار القانوني الذي قال «حاولوا استنفاد محاولة أخرى من المفاوضات، إخلاء طوعي، فهذا مهم من ناحية قانونية». ومع ذلك أضاف ليبرمان «في اللحظة التي قرر فيها الكابنيت إخلاء الخان الأحمر، فتلك عملية لا رجعة عنها». بكلمات أخرى، قال المستشار القانوني للحكومة، افيحاي مندلبليت، للوزراء إن الحاجة إلى التجميد هي قانونية. الفكرة كانت إعطاء فرصة أخيرة للمفاوضات.

التمنيات بالنجاح للمفاوضات

يمكن توجيه الإصبع فقط نحو الإعلان الذي نشرته المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، باتو بنسودا، قبل بضعة أيام من إعلان نتنياهو. «أنا أتابع بقلق الإخلاء المخطط له للقرية البدوية في الخان الأحمر»، أعلنت، «الإخلاء القسري يبدو قريباً، ومن شأنه أن يؤدي إلى التصعيد والعنف… بشكل عام تدمير ممتلكات دون حاجة عسكرية لذلك ونقل السكان من منطقة محتلة هي جريمة حرب حسب ميثاق روما». وذكرت المدعية العامة الطرفين بأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو قيد الفحص الأولي في مكتبها قبل أن تقرر إذا كانت ستحقق فيه.
مع ازدياد التوتر السياسي بين نتنياهو وليبرمان، بدأ وزير الدفاع السابق معارضته للتجميد. فقد رفض التفاوض مع محامي السكان لأن السلطة الفلسطينية هي التي قامت بتعيينه. في خطاب استقالته، كشف ليبرمان الأوراق أيضاً في موضوع القرية: «لقد اعتقدت أنه يجب علينا الإخلاء، وللأسف، ففي هذه الحالة أيضاً أصدر رئيس الحكومة أمراً خطياً ومنع الإخلاء». في الخطاب الذي يشبه الاستقالة لبينيت وردت أمور مشابهة: نتنياهو جمد الإخلاء لأنه قلق «مما سيفعلونه بنا في لاهاي».

بين التخوف من المحكمة في لاهاي وضغط اليمين

جهات قانونية وسياسية قالت للصحيفة إن الخوف في إسرائيل لا ينبع من تحقيق مستقل بشأن الخان الأحمر. المشكلة هي أن الفحص الأولي في لاهاي والذي يمكن أن تنشر نتائجه قريباً: في إطار الفحص سيتقرر ما إذا كانت هناك صلاحية قضائية للمحكمة في مناطق الضفة وقطاع غزة. إسرائيل تعارض بشدة هذا الاحتمال، وضمن أمور أخرى، بذريعة أن فلسطين ليست دولة يمكنها الانضمام لميثاق روما. في الأسبوع الماضي قال المستشار القانوني مندلبليت بأنه سيفحص قريباً عرض «موقف مبرر ومفصل لغياب الصلاحية القضائية للمحكمة الدولية في هذا السياق».
المسؤول عن الاتصالات مع محكمة الجنايات الدولية من قبل مندلبليت هو نائب شؤون القانون الدولي روعي شايندورف، الذي أجرى لقاءات حول الموضوع، وحتى أنه عرض عدداً من استنتاجاته في لجنة مغلقة في الكنيست. في الأسبوع الماضي جاء في موقع «واللاه» أنه تلقى مؤخراً رسالة من مكتب المدعية العامة بنسودا جاء فيها أنه «لا توجد مشكلة قانونية من ناحية القانون الدولي في قضية إخلاء القرية». وزارة العدل نفت بشدة هذا التقرير وقالت إنه لم تصل أي رسالة كهذه أو «أقوال بروح مشابهة».

في هذه الأثناء استقال محامي السكان توفيق جبارين بعد رفض ليبرمان التباحث معه حول مستقبل السكان البدو. «إذا كانت إسرائيل لا تريد التحادث معنا فأنا أتمنى لهذه المفاوضات النجاح»، هكذا قطع السكان الاتصال. ومنذ ذلك الحين يبدو أنه لا توجد أي محادثات. مع ذلك، مصادر في الإدارة المدنية قالت للصحيفة إن محاولات التفاوض مستمرة. نشطاء إسرائيليون يساعدون البدو، من بينهم سكان من كفار ادوميم، أكدوا أن شخصيات كبيرة في الإدارة المدنية حاولت التوجه بواسطتهم للسكان «في مسار يتجاوز السلطة الفلسطينية»، ولكنهم فشلوا في ذلك.

بيادق شطرنج للسلطة

إسرائيل تدعي أن السلطة الفلسطينية تشجع السكان على الرفض من أجل أن تحول الصراع إلى حرب مبدئية في المناطق ج.
موظفو الإدارة المدنية ووزارة العدل قالوا إن السكان يصممون على عدم الموافقة على أي انتقال إلى أي موقع بديل. محادثات مع السكان ومقربيهم أظهرت صورة عكسية: في الإعلام الأجنبي أو الفلسطيني يعلنون عن نيتهم البقاء في الموقع إلى الأبد.
قبل استقالة المحامين قالوا أيضاً للمراسلين إن السكان سيعودون فوراً إلى الموقع بعد هدمه. ربما تستطيع إسرائيل تدمير المباني، قالوا، ولكنها لا تستطيع إخلاء السكان المحتلين. عيد أبو خميس الجهالين، أحد رؤساء النضال، كرر هذه الرسائل في وسائل الإعلام الأجنبية أيضاً في الأيام الأخيرة: «حتى لو هدموا فنحن سنقوم ببناء الخان الأحمر المرة تلو الأخرى». ولكن سكان القرية قالوا، ليس أمام الميكروفونات، إن الوضع أكثر تعقيداً.
عدد منهم يعترفون بالخوف من أنهم «بيادق على لوحة اللعبة السياسية، تضطر للقيام بما تقوله لهم السلطة».
السلطة الفلسطينية هي حقاً حاضرة جداً في الخان الأحمر منذ أن أصبحت رمزاً، حتى بعد الاستقالة الرسمية للمحامين من قبلهم. قبل وقت قصير من الاستقالة عقد في «مدرسة الإطارات» معرض كاريكاتير للسلطة، ومن بين المعروضات عرض الفنانون إسرائيل كأخطبوط يخنق الفلسطينيين. عدد من سكان الخان الأحمر لم يتماهوا مع هذا الخطاب. حسب شعورهم، ليس هناك من يمثل صوتهم ومصالحهم المستقلة.
الشعور بأن القرية أسيرة لعدد من الضغوط السياسية يظهر أيضاً في أقوال جهات سياسية إسرائيلية، التي قالت للصحيفة في الأسابيع الأخيرة بأنه «سيتم إخلاؤنا في النهاية لأنه لا يوجد مناص، الضغط السياسي شديد جداً». على هذا الشعور تدل أيضاً توضيحات نتنياهو بأن تجميد الإخلاء هو مؤقت فقط، وهو سيستمر «فترة قصيرة». في هذه المسألة أيضاً يظهر المشهد الإجابة الحقيقية، فقد تعهدت الدولة للمحكمة العليا بعدم إخلاء القرية إلى حين إقامة موقع بديل، ولكن الموقع البديل في العيزرية تم تفكيكه، والموقع الآخر قرب متسبيه يريحو لم يتم إنشاؤه أصلاً. طالما أنه لا توجد أعمال لإقامة موقع كهذا، ولأن إقامة الموقع البديل السابق استمرت أسابيع، فيبدو أن تجسيد التصريحات في هذه الأثناء حول الهدم «القريب جداً» ما زال لا يلوح في الأفق.

نوعا لنداو ويوتم بيرغر
هآرتس 2/12/2018

المقال كاملا من المصدر اضغط هنا

Essa



from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2rfUYDs
via IFTTT

0 تعليق على موضوع "إخلاء الخان الأحمر لا يبدو في الأفق"

إرسال تعليق

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel