-->
أسئلة غائبة عن معهد بحوث الأمن القومي

أسئلة غائبة عن معهد بحوث الأمن القومي

نشر معهد بحوث الأمن القومي مؤخراً كراساً بعنوان «نأخذ المبادرة، نصمم الواقع» ـ مخطط عمل استراتيجي للساحة الإسرائيلية ـ الفلسطينية. ورافق النشر موقف واسع من مسؤولي المعهد في وسائل الإعلام وفي المقابلات الصحافية، وقيل إن الخطة عرضت على رئيس الوزراء ومسؤولين آخرين. معقول أنها رفعت أيضاً إلى مسؤولين في الخارج بمن فيهم فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعمل على «صفقة القرن».
أولا، ينبغيأان نهنئ رجال المعهد ورئيسه، قائدي السابق اللواء احتياط عاموس يدلين، على العمل النوعي والشامل الذي في إطاره نفذ فريق من رجال مهنيين، بالتعاون مع مسؤولين سابقين في القيادة العسكرية والسياسية (مشوق أن نعرف إذا كان هناك أيضاً يمينيون)، إجراء طويلاً ومرتباً لفحص البدائل في مسألة النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. واضح أن الفريق أجرى فحصاً جذرياً وفحص جملة طرق عمل على المستوى الأمني، والمدني، والاقتصادي، والدولي، كي يعد مخطط عمل يكون أداة عمل للسياسيين الإسرائيليين.
ثانياً، آمل أن يكون المواطنون والسياسيون قد اطلعوا على الوثيقة، إذ إن فيها بضع أفكار ـ وان لم تكن بالضرورة جديدة ـ تستوجب تفكيراً وموقفاً، ومن الصواب في نظري أن تدرج في الاستراتيجية الإسرائيلية.

هكذ، مثلاً، من الصواب التشديد على أقوال كاتبي الوثيقة حول فشل المنظومة الفكرية للمفاوضات على الاتفاق الدائم. فمحاولة الوصول إلى حل واحد وشامل أفشل معظم الجهود حتى الآن، ومن هنا أهمية النماذج في كل مفاوضات على الاتفاق. فحل مشكلة القدس، واللاجئين، والاعتراف بإسرائيل بصفتها الوطن القومي للشعب اليهودي، سنضطر على ما يبدو إلى تأجيله إلى مراحل متأخرة أكثر في المفأوضات. صحيح أيضاً القول أن على إسرائيل أن تنتقل من حالة الرد إلى حالة المبادرة، وبالتأكيد صحيحة تلك الأقوال عن الحاجة إلى استمرار حرية عمل قوات الأمن، وفي إطاره أيضاً الجهد لمواصلة تعزيز التنسيق مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية.
ومع ذلك، في نظري هناك في المخطط أيضاً غير قليل من المشاكل والعلل ومسائل، من الصواب مراجعتها في منشور مختلف.
أولاً وقبل كل شيء، أشعر من القراءة الدقيقة للوثيقة بأن هدفها مهاجمة حل الدولتين. لا يقترح المخطط حلاً جديداً، بل طريقة عمل مختلفة لتنفيذ الخطة القائمة. كما أن البدائل التي يحللها كُتّاب الوثيقة، بحثت في معظمها في الماضي في الحوار عن حل الدولتين. وهكذا تمنع الوثيقة البحث ذا الصلة أكثر، في نظري، بشأن الحاجة إلى أفكار جديدة تماماً، بديلة لفكرة الدولتين. كما أنه يمنع البحث في أمر الادعاءات بانعدام الصلة لحل الدولتين وبشأن الحاجة إلى تغيير المنظومة الفكرية.
وفضلاً عن ذلك، فإن فريق الخبراء، وإن كان، يتناول التغييرات الجارية في المنطقة في السنوات الأخيرة، في ظل إشارته إلى الفرص الاستراتيجية في هذا الوقت، والتي تنبع من القوة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل من موقف الإدارة الأمريكية العاطفة ومن الانفتاحية في العالم العربي على مواقف جديدة وغيرها. ولكن لسبب ما، فإن هذه التغييرات والفرص تترجم إلى القول إن الزمن ناضج للتقدم في مسار الدولتين. لماذا؟ لعله يمكن التخلي عن هذا الحل وإيجاد حل إبداعي آخر؟
مثلاً، تماثل المصالح المتعاظم بين إسرائيل والدول السنية الرائدة، مع التشديد على مصر والأردن والسعودية بسبب تهديد الإرهاب والتهديد الإيراني، يذكر في الوثيقة، ولكن معانيه ناقصة. في نظري، المعنى الحقيقي هو الارتفاع الواضح بذخرية إسرائيل، بحيث إن النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني تحول في جوانب عديدة من ذخر إلى عبء. فالدول التي ذكرتها كان يسرها لو أن المشكلة الفلسطينية تحل ـ حتى ولو مقابل تنازلات فلسطينية عميقة.

ألم يحن الوقت لحلول جديدة تماماً تكون بديلة عن حل الدولتين؟

فضلاً عن ذلك، فإن الرد الحاد للشارع العربي في هذه الدول، وكذا أيضاً في يهودا والسامرة، على الأحداث في الأشهر الأخيرة ـ سواء في جولات التصعيد مع غزة أم في جولة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ـ يعزز إحساس الزعماء بأن المسألة الفلسطينية لا تزال مهمة لاستقرار حكمهم، ولكن أقل بكثير مما في الماضي.
يدعي المعهد بأن السياسة الإسرائيلية لإدارة النزاع تدهور الوضع الاستراتيجي لإسرائيل. لعل العكس هو الصحيح؟ لعل الزمن المنقضي يعمل في صالحنا؟ ففي السنة الماضية انتقلت عدة سفارات إلى القدس، وبذلك عززت سيادة إسرائيل في المدينة؛ المصالح المشتركة وللعالم السني تتعزز؛ أوروبا آخذة في الغرق في شؤونها الداخلية؛ وفي السياسة الخارجية، وفي مركز الاهتمام هناك الاتفاق النووي مع إيران والعلاقات مع الولايات المتحدة. في كل هذه المستويات ازدادت أهمية إسرائيل (بخلاف ادعاء مصدر أوروبي كبير مجهول قبل أسبوعين ـ إسرائيل ليست فقط «بندورة شيري») ومكان المشكلة الفلسطينية قل.
كما أن الادعاء بشأن التهديد الديمغرافي يحتاج إلى توسع وبحث إضافي. ففي السنوات الأخيرة يتزايد الباحثون وخبراء الديمغرافيا الذين يدعون العكس تماماً ويشيرون إلى الانخفاض في عدد متوسط الأولاد لدى عرب إسرائيل مقابل بعض الارتفاع أو الاستقرار في الولادة لدى السكان اليهود (الذي يبلغ عددهم اليوم أكثر من 3 أولاد للعائلة، وهو معطى عال جداً في العالم الغربي).
يدعي كُتّاب الوثيقة بأن معظم مواطني إسرائيل يؤيدون حل الدولتين. أحقاً؟ ثمة فارق هائل بين تأييد مبدأ الانفصال وتأييد خطة الدولتين، ولا سيما في التفاصيل العديدة التي تتشكل منها. فتوصية المعهد للانسحاب من مناطق في يهودا والسامرة (حتى تلك غير المأهولة) بالتأكيد ليست في الإجماع، وأشك أنه في الأجواء السياسية الحالية في إسرائيل توجد لها أغلبية في الجمهور. فما بالك التقدم في اتجاه إخلاء بلدات أو مستوطنات حتى تلك التي ليست في إطار الكتل الاستيطانية.

نقطة مهمة أخرى تتجاهلها الوثيقة، هي مكانة رئيس السلطة الفلسطينية. كما هو معروف، أبو مازن بات ابن 83، وحالته الصحية ليست جيدة، وولايته تقترب من نهايتها. ولا يعرف أحد من سيحل محله وكيف ستبدو السلطة بعد انصرافه.
لا يمكننا أن نستبعد حتى إمكانية سيناريوهات إشكالية بموجبها تستولي حماس على الحكم في يهودا والسامرة أيضاً. في كل الأحوال ـ فهل من الصواب التقدم إلى تسوية مع زعيم مستقبله في ماضيه؟ ومع منظومة ليس واضحاً كيف ستبدو بعد زمن غير بعيد؟ لعله من الصواب الانتظار لرؤية كيف ستستقر المنظومة الفلسطينية في عصر ما بعد أبو مازن؟
فضلاعن ذلك، فإن الانقسام بحكم الأمر الواقع في الساحة الفلسطينية بين غزة والضفة وبين السلطة وحماس لا يلقى المكان المناسب له في المخطط المقترح. فالاقتراح يثبت الوضع، ويضعف أبو مازن، وعملياً يقترح حل ثلاث دول للشعبين، يتلقى فيه الفلسطينيون دولتين واليهود واحدة. وفي النهاية، معروف أن الإدارة الأمريكية تعمل على «صفقة القرن». ليس واضحاً بعد متى ستنشر، وماذا ستتضمن، وما هي التنازلات التي ستكون مطلوبة من إسرائيل (واضح أنه ستكون كهذه). فهل هذا هو الوقت للخروج في مخطط عمل، قبل أن نعرف ما الذي يقترحه الأمريكيون بالضبط.
حتى لو كنا نتفق مع الوثيقة، أو لا نتفق، فإن المخطط الذي يقترحه معهد بحوث الأمن القومي لم يثر النقاش اللازم. لا شك في أن حواراً كهذا واجب، والحاجة إلى محاولة إنقاذ عربة النزاع من الوحل حرجة اليوم أكثر من أي وقت مضى، حتى وإن لم يكن بالضرورة على أساس حل الدولتين.
في هوامش الأمور، صحيح في نظري أن كل من لا يتفق مع حل الدولتين أو مع المخطط الذي يقترحه المعهد، سيحاول بلورة مخططات محتملة وأفكار جديدة لحل النزاع وعرضها على الجمهور، مثلما فعل المعهد. دون حوار كهذا ودون بدائل للمخططات المعروفة والقائمة سنبقى مع المنظومات الفكرية القديمة، التي لم تثبت نفسها حتى الآن. لأولئك الذين يفكرون بأن حل الدولتين والحاجة إلى انسحاب من مناطق واسعة في يهودا والسامرة ليسا الحل المرغوب فيه ـ لا يكفي قول ماذا.. لا. علينا أيضاً أن نحاول إنتاج ردود محتملة.

ايلي بن مئير
عميد احتياط
معاريف 30/11/2018

المقال كاملا من المصدر اضغط هنا

Essa



from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2FPECeV
via IFTTT

Related Posts

0 تعليق على موضوع "أسئلة غائبة عن معهد بحوث الأمن القومي"

إرسال تعليق

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel