-->
لوبي المصارف في واشنطن

لوبي المصارف في واشنطن

مهند الحاج علي

المصدر : موقع المدن

شمل بيان جمعية مصارف لبنان عن زيارة مجلس إدارتها إلى واشنطن ونيويورك هذا الأسبوع، إشارة لافتة إلى دور مكتب المحاماة الدولي (DLA PIPER) في التحضير لهذه الجولة واللقاءات المُدرجة ضمنها. ذلك أن وفد الجمعية سيزور مراكز القرار المعنية بالعقوبات الأميركية، أي اللجان المالية والمصرفية في مجلسي النواب والشيوخ، ومسؤولين في وزارتي الخارجية والخزانة، للتحدث عن العقوبات وتداعياتها على لبنان. هذا في واشنطن. في نيويورك، سيلتقي الوفد الإدارات الأساسية المراسلة للمصارف اللبنانية، وعلى رأسها “بنك أوف أميركا” و”سيتي بنك” و”جي. بي. مورغن” و”ستاندرد تشارترد بنك”. ليس وصول أصحاب المصارف الى هؤلاء المسؤولين للقائهم، “مجانياً”، بل يحتاج الى مفاتيح تتولى ترتيب اللقاءات. ولهذا السبب، مكتب المحاماة الدولي ذو الخدمات الباهظة الثمن، ضروري.

والمكتب المذكور أعلاه ليست وحيداً، بل هناك باقة من هذه المؤسسات، مثل شركة باتون بوغز (Patton Boggs) للمحاماة، وشركة “أفينيو ستراتيجيز” (Avenue Strategies). في هذه المؤسسات، مستشارون كانوا في الحكومة الأميركية، ولديهم شبكة علاقات واسعة داخل الدوائر المؤثرة، وهم وبالتالي قادرون على ترتيب لقاءات، والضغط للتأثير في السياسات الأميركية، رغم أن الأخيرة خاضعة لاعتبارات أكبر.

دائرة الإنفاق المصرفي في واشنطن تتسع. علاوة على الجمعية وتكاليفها، وهي الأعلى، تنشط مصارف لبنانية بشكل منفصل عن الجمعية على مستوى شركات اللوبي أو الضغط. على سبيل المثال، تعاقد بنك بيروت مع “أفينيو ستراتيجيز”، في حين استخدم بنك الموارد “باتون بوغز”، وفقاً لموقع “أوبن سيكرتس” المذكور آنفاً.

الكلفة عالية، وفقاً لأرقام أوردها موقع “أوبن سيكرتس” (أسرار مفتوحة)، التابع لمركز السياسة المسؤولة المعني بمراقبة الإنفاق المالي على مجموعات الضغط. منذ عام 2012، أنفقت الجمعية ما مجموعه أربعة ملايين وثلاثمئة وثمانين ألف دولار. هناك عامان سجلا أعلى مستوى إنفاق (تجاوز المليون دولار)، وهما 2013 و2017.

إنفاق المصارف فرادى ليس بالهين أيضاً. خلال السنتين الماضيتين، أنفق بنك بيروت مئتي ألف دولار. كانت بريطانيا فرضت غرامة مالية على الفرع اللندني للمصرف اللبناني، لعدم التزامه بإجراءات لها علاقة بتبييض الأموال.

مصرف الشرق الأوسط وافريقيا أنفق 750 ألف دولار منذ عام 2009 (المجموع). حتى بنك صغير مثل Cedrus Bank، تأسس عام 2015 ولديه 4 فروع فقط، دفع 160 ألف دولار لشركة “Blank Rome Government Relations”، وهي مؤسسة ضغط تتمتع بشبكة علاقات واسعة داخل الكونغرس ودوائر الحكومة الأميركية.

الإنفاق الوارد في الموقع المعني بالشفافية في الحكومة ومجموعات الضغط، ليس الصورة الكاملة بالضرورة. ذلك أن التبرعات لحملات المرشحين تُمثل جزءاً من “عدة النصب” في عمل شركات الضغط. الموقع ذاته يُورد ملايين الدولارات من التبرعات لكل شركة ضغط، لكن تفاصيل منشأ المال وأهدافه غير واضحة.

من الضروري النظر في المعاني السياسية لهذا الإنفاق المصرفي. أولاً، هذا القطاع الأهم اقتصادياً في لبنان، يشق طريقه في السياسة الخارجية، بعيداً عن الدولة اللبنانية. ولو لم تكن هذه الدولة ضعيفة ومترهلة بأغلب أجنحتها، وعلى رأسها الجهاز الدبلوماسي الذي لم يتجاوز بعض أفراده المستوى الابتدائي باللغتين الفرنسية والإنكليزية، لما خاضت المصارف غمار هذه المعركة المكلفة. لكن هناك أيضاً علامات نفوذ فارقة لدى هذا القطاع، إذ أنها تحركت مبكراً في واشنطن لتجنب التداعيات المحتملة من أي إفراط في العقوبات. وهي تتحرك ككتلة متراصة متّسقة في واشنطن. لدينا دولة مركزية ضعيفة، وأطراف قوية.

ثانياً، تتعامل الولايات المتحدة مع لبنان بالقطعة (لا كدولة) وفقاً لقاعدة الترغيب والترهيب. لديها علاقة دعم وتدريب مع الجيش، وهي المؤسسة الوحيدة الفاعلة في الدولة اللبنانية. لكن العلاقة، تماماً مثلما يحصل مع المصارف، خاضعة دوماً لأقاويل الإنقطاع بحجة الترابط بين الجيش و”حزب الله”. هذا أحد أسباب أن قائد الجيش العماد جوزف عون زار واشنطن مرتين في أقل من سنة واحدة، في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2017 ثم في شهر حزيران (يونيو) الماضي.

أخيراً، ومن منطلق التعاطي الأميركي، يُطرح السؤال الأهم: ما آلية العلاقة بين وزارتي الخارجية والخزانة والأعضاء المعنيين بالكونغرس من جهة، وبين المصارف من جهة ثانية؟ بيد أن اللقاءات بدأت قبل عقد، وتطورت منذ عام 2013. ما مدى الالتزام بالسرية المصرفية في التعاون “الشفاف” مع الأميركيين؟ ومن يحمي المصارف الخائفة من الإبتزاز المحتمل؟ المصارف تدفع من أرباحها (من ديننا العام)، لتجلس مع مسؤولين أميركيين، وتتعاون في ملف العقوبات. إنهم يدفعون ثمن الجلوس على طاولة بهدف التعاون، طلباً للرحمة.

, Mohamad Kassem ,

رابط المقال من المصدر



from بانوراما – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2RhPP9n
via IFTTT

0 تعليق على موضوع "لوبي المصارف في واشنطن"

إرسال تعليق

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel