-->
تهديد حقيقي ومتعاظم

تهديد حقيقي ومتعاظم

للرؤساء الأمريكيين أحياناً ميول للاستباق والإعلان عن النصر حتى عندما لا يكون شيء كهذا. وهذا ما فعله الرئيس جورج دبليو بوش حين ارتدى سترة الطيارين وأعلن عن أن «المهامة انتهت»، وذلك كي يغرق في الغداة عميقاً في الوحل العراقي، وهكذا فعل الرئيس ترامب في خطابه للأمة في كانون الثاني 2018 حين أعلن عن النصر على داعش.
نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الاعتباري في واشنطن، وهو مركز أبحاث لا يتماثل مع أي طرف في السياسة الأمريكية، نشر هذه الأيام بحثاً يقول إن عدد الإرهابيين السنّة النشطاء في العالم اليوم، ولا سيما داعش والقاعدة، أكبر أربعة أضعاف من عددهم عشية عمليات 11 أيلول 2001 ضد البرجين التوأمين.
وحسب البحث، فإن نحو 230 ألف إرهابي جهادي يتوزعون في أرجاء مختلفة من العالم، معظمهم في أفغانستان والباكستان وسوريا وغرب افريقيا. وكدليل في السبت الماضي مثلاً، وقعت في مالي معارك بين قوات الجيش الفرنسي ورجال القاعدة، قتل فيها 30 إرهابياً. ومع أن المنطقة الجغرافية التي تقع تحت سيطرة هذه المنظمات ضاقت ولم يتبق من تنظيم الدولة الإسلامية إلا بضع جزر قليلة، إلا أن الغرب، الولايات المتحدة وحلفاءها، لم ينجح في أن يتصدى كما ينبغي للتحديات الأيديولوجية والعملية التي تطرحها هذه التنظيمات عليه ولنجاحاتها في تجنيد المقدرات والمتطوعين الجدد إلى صفوفها. كلما ضربت في ميدان المعركة في سوريا والعراق وأماكن أخرى ازداد عدد أفرادها وتكيفت أساليب عملها مع الواقع الجدي، واحدها هو المس بالمواطنين المطمئنين، بمن فيهم الأمريكيون، سواء داخل الولايات المتحدة أم خارجها.

نقل أوباما مركز الثقل إلى جنوب شرق آسيا سهّل دخول روسيا وإيران إلى الشرق الأوسط

فصل آخر في البحث يشير إلى تقدم كبير حصل في استخدام الإرهابيين للوسائل المساعدة التكنولوجية المتطورة، بما في ذلك الحوامات المسلحة والحواسيب ووسائل الاتصال المشفرة ضد أساليب القتال العسكرية التقليدية للحلفاء. من هنا ينتقل البحث إلى الآثار والاستنتاجات الأوسع، إضافة إلى التوصية لتسريع وتحسين إعادة تأهيل المواطنين الذين تحرروا من حكم داعش في سوريا والعراق. ويحذر البحث من أن نية إدارة ترامب تقليص التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط وفي افريقيا تمنح تفوقاً هاماً للمنظمات الجهادية. من هذه الناحية، هناك تواز ما بين الرئيس أوباما الذي نقل مركز الثقل من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا، ما سهل دخول روسيا وإيران إلى الشرق الأوسط، وبين ترامب الذي من شأن نيته بتقليص التواجد العسكري في الشرق الأوسط أن تساعد على إعادة بناء قوة الإرهاب.

المعهد المذكور ليس هيئة البحث الوحيدة التي عنيت مؤخراً بتهديد الإرهاب الإسلامي، ثمة مؤسسة بحثية مهنية أخرى في نيويورك تقول إنه رغم بعض النجاحات، فإن نتائج الصراع ضد الإرهاب مختلطة في أقصى الأحوال، بل إن رئيس أركان الولايات المتحدة، الجنرال جوزيف دانفورد، اعترف أمام مؤتمر الأمن الذي انعقد الأسبوع الماضي في كندا بأن الصراع ضد منظمات الإرهاب بعيد عن النهاية. وتركز البحوث آنفة الذكر على تهديد الإرهاب الإسلامي السني مثل داعش، والقاعدة وفروعهما، ولا تتناول الإرهاب الشيعي بتوجيه وتعليمات من إيران.
حتى وإن كان هناك تضارب بين الطرفين من ناحية دينية وغيرها، فإنهما يسعيان إلى سيطرة الإسلام على العالم، كل في صيغته. وبالمناسبة، رغم التناقضات فيما بينهما، ففي موضوع غزة مثلاً فإنهما يتعاونان. والإرهاب الشيعي بالذات سيكون القضاء عليه أسهل إذا ما قطع رأس الأفعى في طهران، لأنه أكثر تأطيراً ويعمل بقدر أقل في مبادرات وأداءات مهنية من الإرهاب السني.
لقد درج الرئيس السابق أوباما على الاستخفاف بخطر الإرهاب، بل وتحفظ من اسم «الحرب ضد الإرهاب»، مشيراً إلى قلة العمليات في أمريكا. أما ترامب في المقابل، فيرى بالتأكيد في الإرهاب تهديداً على نمط حياة مواطني الولايات المتحدة، ولكنه لا يحرص أحياناً بما يكفي على الحدود بين الموقف الموضوعي من الموضوع وجوانبه السياسية. يعمل هذا الأمر في صالح الإرهابيين، الذي يعدّ تهديدهم بالفعل حقيقياً ومتعاظماً: كما أسلفنا، 230 ألف جهادي ينتشرون في أرجال المعمورة هم حقيقة لا يمكن الاستخفاف بها.

زلمان شوفال
معاريف 28/11/2018

المقال كاملا من المصدر اضغط هنا

Essa



from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2BDml0q
via IFTTT

Related Posts

0 تعليق على موضوع "تهديد حقيقي ومتعاظم"

إرسال تعليق

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel