
الديمقراطية والصحافة الحرة

تختلف نماذج النظام السياسي في العالم عن بعضها البعض، فمنها الديكتاتوري ومنها الديمقراطي. وفي كل دولة ديمقراطية نواقص عديدة، كما وفي كل ديكتاتورية قد يتوفر بعض من المناخ الذي يسمح ببعض المساحة. لكن هذه المساحة قلما تستمر مع أدنى تغير في رؤية النظام. كيفما قيمنا الأنظمة السياسية سنكتشف بأن غياب الديمقراطية يقترن دائما مع غياب الصحافة الحرة وعدم مساءلة صناع القرار مهما بالغوا في أخطائهم. بل ويقترن غياب الديمقراطية بنفس الوقت مع ضعف القدرة على تحدي الظلم وتحييده. بل ليس غريبا، من جهة أخرى، انه مع الديكتاتورية تنمو مدرسة تأليه الحاكم (عبادة الفرد) وجمود السياسة وسيطرة فئة صغيرة من النخبة على مجريات الحياة العامة والاقتصاد والثقافة والأمن. في الديكتاتورية تهمش كل السلطات، وتبقى السلطة غير المساءلة في ظل توغل الأجهزة الامنية.
ورغم الهجوم على الديمقراطية في الكثير من دول العالم في السنوات القليلة الماضية بما فيها عدد من الدول الديمقراطية، تكتشف الناس والمجتمعات الحاجة لاستعادتها والتمسك بقيمها. فالديمقراطية تنطلق بالأساس من ان السلطة المطلقة بطبيعتها آيلة للفساد و للظلم، وانه يجب بناء آلية لوضع قيود على السلطة المطلقة. لقد تطورت الديمقراطية على مدى القرون بهدف أنسنة الحكومة والدولة وجعلها أقل قدرة على ممارسة الظلم بحق الناس والمجتمع. ففي الديمقراطية توازن بين صلاحيات سلطة الحكومة من جهة وسلطة البرلمان في جانب آخر، ثم سلطة القضاء في جانب ثالث وسلطة الاعلام في البعد الرابع. لتنجح هذه السلطات في ازدهار الديمقراطية لا بد لها من أن توازن بعضها البعض. لكن الديمقراطية لا تتطور إلا في ظل ضمانات واضحة لحرية التعبير وإستقلال الإعلام.
في الديمقراطية لا بديل عن انتخابات تقرر من هو الرئيس ومن هو رئيس الوزراء، بل يتضح بأنه (خاصة في الأنظمة الملكية) ضرورة أن يكون رئيس الوزراء قائدا فعليا يستمد قوته وبرنامجه وصلاحياته من برلمان منتخب وفق قانون يسمح لكل القوى السياسية والشعبية بالمشاركة والتنافس. ويكتشف الناس بالممارسة بأن التداول على السلطة أفضل بمرات ومرات من تهميش الشعب والنخب المتعلمة والطبقة الوسطى ثم رهن الدولة والمجتمع لفرد وأقلية سياسية وبالنهاية لقوى خارجية.
مع الديكتاتورية تنمو مدرسة تأليه الحاكم (عبادة الفرد) وجمود السياسة وسيطرة فئة صغيرة من النخبة على مجريات الحياة العامة والاقتصاد والثقافة والأمن
الديمقراطية كنظام أقدر على خلق الثروة والنمو الاقتصادي على المدى البعيد. إن سبب هذا النجاح مرتبط بإيمانها بحرية المعرفة وحرية انتقال المعلومات وحرية النقد والشفافية في الحكم. بل ان الديمقراطية أقدر على النمو الاقتصادي بسبب قدرتها على تبسيط وأنسنة الاقتصاد وإيقاف الاحتكار مما يدعم قدرة الاجيال الشابة على المشاركة في الاقتصاد النامي. وفي الديمقراطية تزدهر صناعة الكتاب و المسرح والأدب والرواية والشعر والموسيقى وكل ما يرمز للقوة الناعمة وذلك بفضل مساحة الحرية والتعبير وعدم وجود قوانين مكبلة كتلك التي تفرضها الديكتاتورية.
كما وقد يشعر الناس في ظل الديمقراطية بالحرمان الاقتصادي والظلم، ومن الطبيعي أن ينتشر الفساد في ظل الديمقراطية، لكن هذا لن يمنع المجتمع من السعي للتغير ضمن آليات للاحتجاج يجيزها بل يشجع عليها القانون الديمقراطي، وان لم تنجح آليات المؤسسات الانتخابية كالبرلمان والقضاء والإعلام في إنصاف الناس والمهمشين، تتحرك الناس نحو الشارع كما يقع اليوم في فرنسا. وقد تخرج الأمور عن السيطرة، لكن بنفس الوقت نجد في كل الحالات بأن آليات النظام السياسي الديمقراطي الاكثر انفتاحا ورسوخا قادرة على استيعاب الشارع وذلك من خلال التعامل مع المطالب والعمل على التغير. كلما تطورت المؤسسات الديمقراطية نجدها لا تدخل بصراع مفتوح وطويل مع الشعب كما يقع في النظام الديكتاتوري الفاقد للرؤية والتسامح.
شاهد أيضا
في المجتمعات العربية تنمو في مخيلة الناس كما وفي قناعاتهم السياسية الحاجة للديمقراطية بكل أبعادها. واهم من يعتقد بأن الحلم العربي بحياة ديمقراطية سيخبو و يختفي في المدى المنظور. حق الناس بإختيار من يقرر شؤونها كما وحق الناس في حياة كريمة خالية من الإرهاب النظامي يزداد عمقا في الوعي العربي. إن ماضي العرب قلما احتوى على الديمقراطية، لكن مستقبلهم لن يخرج عن السياق الديمقراطي بصفته تطورا طبيعيا لواقعهم المأزوم و لحياتهم السياسية وحقوقهم. لازال الطموح بنيل الحرية والعدالة والخبز والحياة الكريمة هدف للعرب، هذا الهدف لن يتحقق بلا ديمقراطيات عربية تحمي حقوق المواطن وتمثل الشعوب وتستوعب تنوعها.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
المقال كاملا من المصدر اضغط هنا
Essa
from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2zFChxZ
0 تعليق على موضوع "الديمقراطية والصحافة الحرة"
إرسال تعليق