
شهيد الصفقة و”الأخوان خاشقجي” في مملكة الخوف… التهمة أهم من العدالة! معتز مطر: عيب عليكو !

إنه الدم، كلما فاحت رائحته، كلما دخل هذا الشرق في غيبوبة انتشاء، وزهزهة، فخاشقجي لم يكن معروفا أو مثيرا للاهتمام حتى بين نفر لا يعد ولا يحصى في هذا العالم من النخبويين قبل غيرهم، وقد أصر قبل قتله على عدم اعتباره منشقا، فما أن تمت تصفيته حتى أدرجه الفرز الصحافي المعارض لبلاده على رأس قائمة المعارضة، رغم أن صلاح خاشقجي في لقائه مع “سي أن أن”، اعترف أن أباه حداثي موال، ومطور ناعم، وكتب تغريدة أكد فيها على هذا النهج، فكيف تعتبره “واشنطن بوست” والإعلام الغربي برمته، معارضا شرسا، وخطرا، وعنيدا؟!
خاشقجي لم يصرح ولا مرة واحدة بما يمكن أن يهدد عرش آل سعود، بل على العكس أثنى على “الثورة السلمانية”، ضد الجهل والفساد واضطهاد المرأة، ولم يحارب في برنامج “مع معتز” على قناة “الشرق”، بذخ أمراء الخليج، حين اعتبره ظاهرة شائعة، بل إنه كان عنصرا دعائيا أكثر منه نهضويا مناهضا، لماذا إذن يخدم صمته أعداء السعودية في حين يضر صوته بحلفائها؟
الفخ نصب ليس لارتكاب الجريمة سرا، إنما لفضحها إعلاميا، وموت الصحافي، كما هو واضح، أفاد “جهات أمريكية وإقليمية معينة” أرادت أن تصنع منه ورقة ابتزاز، أكثر مما آذت حريته آل سعود، وبناء عليه، على العالم أن يطالب بمعاقبة من سمح بالأمر وهيأ الظرف والبيئة المناسبة له، وليس فقط من وجهه، بما أن سلسلة الشركاء تضم بالضرورة من قام بحشو الرأس بالفكرة… الفكرة هي الجريمة، والجريمة هي الفخ، الذي يقع به دائما القاتل ذاته: بطريك القبيلة !
طغاة سمان ومشاهد سحل ناعم
هؤلاء طغاة يتخمون التاريخ بمشاهد حصرية عن الخنوع والمذلة، وهم يمشون في جنائز الغزاة، ويقرأون على أرواح غزاتهم الفاتحة، حزنا وكمدا، بينما يستمتع الغزاة بأرشيف طويل لرياضة تسمين الطغاة، ليس من دعة ولا دلال، إنما تمهيدا لحفلة شواء تليق بعيد القرابين، وأي عجل منفوخ يغتر براعيه، هو الذي يباهي أقرانه بهلاكه، فمن يسلم لقاتله كرْشَهُ، يصبح كرشُ قاتِلِهِ نَعْشَه أو عرشَه الوحيد! غير أنها حكمة المزامير، لم يقرأها سوى ديفيد الأخير، الذي يخصص ميزانية معاشات للعبابيد والنواطير، وآه يا زمان الشقلبة !
مشاهد مذلة تراها في الإعلام لطغاتك، الذين يساقون كالغنم، لحتفهم، وتذكر هذا جيدا أيها المشاهد، لأن بوتين لم يزل يرتب لمشهد دموي كبير، يليق بعجله الذي سمنه بصواريخ “إس 300″، فلا تسل بعد هذا ما يخبئ التلفزيون الاسرائيلي في تابوت العهد الفضائي، طالما أنك لم تعد تتذكر لقطة السحل الناعم للأسد وراء بوتين، في قاعدة حميميم؟ هل تريدنا بعد هذا أن نطلب منك مراقبة تطور المشهد مع مرور الزمن، وكيف يصبح المركوب محبوبا ثم مغضوبا، ثم مضروبا حتى الموت!هل حقا يكفي وقوف الأسد وإيران ضد اسرائيل ليكونا مع فلسطين؟ وهل فعلا تحتاج فلسطين إلى كل هذا الذل العربي وكل هؤلاء الغزاة، لتنظف كبرياء العروبة من الخونة والمطبعين؟ ثم لماذا يحارب المطبعون فلسطين: تشويها للأمانة، أم تأمينا للتشوه؟ لو كان من أمات عدوه بموته – على قيد الحياة، لقبض على الوهن، كي لا يفلت الرمق الأخير من آخر قوة: قاعدة شمشون !
حرب الطرابيش والقبعات الفضائية
إعلام ترامب، يلعب تسالي، بالشماغ والكوفية، دون أن يطيح بالقبعات والطرابيش والأعمة، في حفلة تبادل الرؤوس بين “فوكس نيوز” وقناة “الشرق” وقناة “الميادين”، فهل صدق معتز حين اعتبر أن تصريحات الأخوين خاشقجي لـ”سي أن أن”، هي الأقوى على الإطلاق، طالما أن ما أخفياه بين السطور ظهر جليا أكثر مما صرحا به؟
كاتبة الشؤون الخارجية في موقع “واشنطن بوست” الالكتروني “أماندا إيريكسون” كان لها رأي آخر، فثقة صلاح بالملك سلمان تؤكد فقدان ثقته بالحكومة التركية، ومجريات التحقيق! وهو ما يدلها على إدانته الصريحة للقاتل، هذا هو الإعلام الغربي، لا يتعامل سوى مع الماديات لا الروحانيات، يجنح إلى الملموس أكثر من المحسوس، الاستنتاج قائم في عرفه على الإنتاج، والنظرية تبرهنها المنطقية، والهدف ليس المصداقية الإعلامية، إنما المقاصد اللا إعلامية، وإلا لماذا لم تجد في الغرب من يوجه سؤالا واحدا للسفارة الأمريكية في الرياض، عن حماية مواطن مجنس، ومحتجز في جزيرة العرب؟ لماذا سكتت الولايات المتحدة عن هذا التجاوز والتجرؤ على قوانينها الوطنية العظمى؟
لو أنك تابعت برنامج “الرأي الحر” مع صالح الأزرق، وأصغيت إلى استنكار المتصل السعودي، لكل ما يتم تداوله بعبثية مطلقة دون تأمله، أو محاكمته، متسائلا عن الوعي الفطري: كيف تحتجز الرياض مواطنا أمريكيا؟ كيف تريدون منا أن نصدق أخباركم؟ بصراحة، رب رمية من غير رام، فسؤاله يصب في خانة فضح التواطؤ الإعلامي الغربي مع الجريمة، منذ بداياتها، في “الريتز”، ثم التجاهل التام لجنسية صلاح خاشقجي، وإشهارها في الوقت المناسب للفضيحة، وهو ما حدا بصالح الأزرق للصمت أمام سؤال المتصل، والاعتراف بالحيرة التامة !
الخطيئة والعقاب وأزمة القيم في الشرق
فعلى “فرانس “24، يعترف سامي كليب أن من ارتكب الجريمة إما أن يكون عبقريا أو غبيا، دون أن يطرح احتمالا ثالثا للجنون، الذي تفصله شعرة واحدة عن النبوغ، هي: حكمته، فهل اختطف الإخوان المسلمون خاشقجي بعد موته كما يدعي ضيف توفيق مجيد؟ ثم هل يغدو مجديا أن يعثر الإعلام على جثة القتيل، ما دام الإعلام يثبت من جديد أن القتيل لم يكن ضحية حريته، إنما كان شهيد الصفقة فقط !
ولكن هل حقا يهتم العربان بالرأي والكلمة والحرية والعدالة وشرف المهنة وغيرها من المعايير الأخلاقية والإنسانية، وهم من بين كل الأمم التي خلقها من خلقهم، يعانون منذ قرون من أزمة قيم مزمنة؟
روح شوف ماذا تقول ميشيل تويني عن فيلم جمعية “ابعاد” التي تحارب الاغتصاب: “مين الفلتان”؟ ردات فعل مخزية لا تحمل ولا ذرة شرف أو رحمة في قلوب المتفرجين على فتاة تمثل دور ضحية مغتصبة، لم تواجه وهي تستغيث سوى اتهامات من حولها لها بالتفريط في عفتها! أمة فارطة يا جماعة، قال شو: تريد الثأر لدم خاشقجي! ممن؟ من فئران التجارب الإعلامية، أو الفضائيين الرُحّل، الذين لا يشهرون بوجه الغزاة سيوفا في الحرب، وفي الحب لا يقبلون افتداء بغير دماء؟!
أمة تغسل عارها بجريمة شرف، هل تصدق لوعتها على دم قلم رصاص؟ أمة تنتهك أمام ناظريها مساجدها وحرماتها ودور عبادتها وأوطانها ومخادعها وغرف القياس في محالها التجارية، والبوابات الخلفية لمحاكمها الشرعية، لماذا لم تهزها سوى المشاهد السرية لجريمة القنصلية!
كل يوم يقتل قلم، إما بمقص رقيب أو منشار ناشر أو غيرو وغيراتو، ولا يفور عرق الغضب في عقل العرب، فهل حقا، هي صحوة موت خاشقجي، التي توقظ ضمير الأمة من سبات الموتى؟ أم أن فيلم: مين الفلتان، كشف عورة الشرف عند المشاهد المتواطئ في جرائم “أولاد الحومه”! صدق معتز مطر إذن حين صرخ بالموتى مؤنبا: عيب عليكو! لتصر على ما نادينا به هنا منذ عقد: إما المساواة بالعقاب أو المساواة بالخطيئة !
التهمة أهم من العدالة
عندما يرسم رسام كاريكاتير رجلا مرتديا للنقاب يسأل زوجة خائنة: إزاي حشوفك من ورا جوزك يا جميل؟ بعد حملة إلغاء النقاب، بذريعة حق المواطن في قلع الهدوم، وحق الدولة في حرمانه من ارتداء النقاب، فهذا يعني أن العرب يعيشون أزمة خلاعة، كما ظهر في قناة “الشرق”!
ثم أن ينصب لمحمد صلاح بطل العرب التاريخي في ملاعب الغزاة، تمثال لشخصية اللص “مارف” في فيلم “هوم ألون”، كما تراه “بي بي سي” البريطانية، فهذا يعني أننا نعيش أزمة تماثيل لا أزمة أبطال، وحين تصبح “العربية” في هذه الحرب الفضائية على القنصلية، مجرد “غايب طوشة”، فهذا يعني أن الأزمة ليست دبلوماسية، إنما إعلامية، كما قال سامي كليب في برنامج “العالم في أسبوع”، وحين يصبح سيف الإسلام خارج “سيستام حكموه ولاد المتحايلة، وصيد في قفصه مربوط، يحبوه قاعد في زنقة مرفود” فهذا يعني أن القذافي كائن إعلامي مهجن، وحين لا يطالب المسلمون في هذا الكوكب، بمحاكمة رجال الدين وإعدامهم في الساحات العامة على المعلومات المغلوطة، فهذا يعني أنك تعيش أزمة معلومات!!
الجريمة الحقيقة في هذا المشهد، هي إعادة إنتاج الموتى، وتدوير الجريمة، في ممالك الخوف الإعلامية، التي نحرسها بسقوطنا في حفرها، وتحرسنا بفخاخها، فأين تُراه يجتمع ولي الأمر بولي الدم: في بيت العريس المغدور في اسطنبول؟ أم في لقاء الأخوين خاشقجي على “سي أن أن”؟ أم في خزينة المال في الرياض!
الإعلام نجح بارتكاب جريمة أفظع من جريمة القنصلية، حين استخدم الجثة المجازية، لإنتاج شخصية وهمية، في الأفق الانتخابي، لا تمت بصلة للحقيقة، إنما تتذرع بالحقائق لإخفاء الأدلة، والاكتفاء بالفضيحة، فهل تهم العقوبة إن كانت التمسك بالتهمة أهم من الإصرار على العدالة!
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن
, Anwar Alqasim ,
from منوعات – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2PhFRYD
via IFTTT
0 تعليق على موضوع "شهيد الصفقة و”الأخوان خاشقجي” في مملكة الخوف… التهمة أهم من العدالة! معتز مطر: عيب عليكو !"
إرسال تعليق