
إسرائيل نور للأغيار عند نتنياهو وترامب!

السرعة التي هنأ فيها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو جاير بولسونرو على انتخابه رئيساً للبرازيل، دون التفكير للحظة بعدد من رسائله الإشكالية (تصريحات ضد السود والنساء والمثليين)، هذه السرعة تدل بشكل معين على الفجوة بين التعهد الإسرائيلي ـ اليهودي بإصلاح العالم وبأن يكونوا نوراً للأغيار وبين الواقع. من المبالغ فيه التوقع من إسرائيل أن تعلم العالم، وأن تضع له رايات أخلاقية أو مقاطعة دول عظيمة. دولة صغيرة مع تعقيدات كثيرة، ومصالح وجودية والقليل من الزبدة على الرأس، لا تستطيع أن تعلم أحداً. إسرائيل دائماً تفضل مصالحها على تشجيع قيم عالمية، ولكن يبدو أنه منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة وصعود الشعبوية، تنازلت تماماً عن التبجح بأن تظهر كمن تسعى إلى تطبيق هذه القيم.
وهذا عندها ليس بسبب غياب تردد، بل واضح ما هو خيارها. مثلاً، في حالة تصفية الصحافي جمال الخاشقجي، ذلك الحدث الذي يثير التساؤل بخصوص طبيعة النظام في السعودية ـ فإنه لم يكن لنتنياهو أي معضلة: أهمية النظام السعودي في الصراع ضد إيران تفوق بصورة كبيرة الحاجة إلى انتقاد العائلة المالكة السعودية، لذلك فهو يعمل أمام الولايات المتحدة من أجل ترك السعوديين وشأنهم.
عندما انتخب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، أعلن في أحد خطاباته الأولى بأنه لا ينوي التدخل في شؤون دول أخرى، وأن يقول لها كيف تتصرف. هذه كانت رسالة مختلفة جداً عن الرسالة الأمريكية المتساوقة خلال عشرات السنين الأخيرة، التي تفاخرت بالدفع نحو تصدير القيم الديمقراطية، الليبرالية والرأسمالية، وأحياناً من خلال فرضها بالقوة، على سبيل المثال في حرب فيتنام.
في عهدهما تم التنازل عن القيم العالمية وأصبحت المصالح تحتل المكان الأول
قرر ترامب تقليص دور أمريكا كشرطي وبوصلة للعالم. ليس من قبيل التواضع، بل لاعتبارات عملية. الحروب في أرجاء العالم تحتاج إلى الأموال. وتشجيع قيم عالمية يكلف المال. ويفضل ترامب أن يغرم من لا ينضبط حسب ما يراه. هكذا قام بتقليص دعمه لميزانية الأمم المتحدة وميزانيات المساعدة للفلسطينيين. لقد أصبح بشكل أقل شرطياً يحمل عصاً. وبشكل أكثر رجل بنوك مع محفظة تفتح، وبالأساس تغلق، حسب الضرورة. سلاحه تقليص الميزانيات، وسلوكياته وشخصيته أنشأت فراغاً قيمياً في العالم، لكن هذا من جانب ونتنياهو يتصرف براحة داخل هذا الفراغ.
في السبعينيات، دخل إلى الخطاب الاقتصادي العالمي مفهوم «مسؤولية الشركة» بعد أن تبين أن مصانع أمريكية مثل «نايكي» تشغل عمالاً في آسيا بظروف استغلالية في مشاغل معرقة. هذا المفهوم استهدف وصف التوقعات المأمولة من شركات عالمية بأن لا تكتفي بإنتاج وتسويق المنتجات الجيدة للمستهلكين، بل أن تأخذ على عاتقها المسؤولية عن ظروف العمل لعمال الإنتاج، وعن جودة البيئة في المصانع، وعن ظروف تربية الحيوانات ـ حتى لو كان ذلك في بنغلاديش أو في ماليزيا. من الصعب القول إن هذه الرسالة تسربت وسرت في كل الشركات وغيرت سلوكها تماماً ـ الكثير منها ما زال يستغل ويلوث ـ ولكنهم يحاولون، والتوقعات منهم ازدادت.
إن التوق إلى مسؤولية اجتماعية من هذه الشركات ينبع من قوة السوق العظيمة لها في عصر العولمة. كما يبدو هذا توقع يجب على كل شخص أن يطوره تجاه زعماء العالم المتنور. يجب أن تكون لديهم مسؤولية مشتركة ودافعية لتطبيق قيم عالمية. ولكن عهد ترامب يكشف عن توجه معاكس: القليل من التدخل في شؤون الدول الأخرى، وأكثر تركزاً في الساحة الداخلية؛ وأكثر حماية على حساب تطوير التجارة العالمية؛ وتنازل عن تصدير القيم وإنزال مكانة قضايا حقوق الإنسان في سلم الأولويات. يتركز سلم الأولويات في إسرائيل على الاحتياجات الأمنية، وكل دولة تساعد في الصراع ضد إيران تعدّ على الفور صديقة. ويتم العفو عن كل شيء فيما يتعلق بالأصدقاء، ولا نتدخل في شؤونهم. وهذا يزيد من حدة مركزية التهديد الإيراني في الخطاب الإسرائيلي. خط نتنياهو هو في المقام الأول منع مفاعل نووي عن الأغيار، بعد ذلك يكون بالإمكان التفكير بنور للأغيار.
سامي بيرتس
هآرتس 7/11/2018
المقال كاملا من المصدر اضغط هنا
Essa
from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2RJ6MJP
via IFTTT
0 تعليق على موضوع "إسرائيل نور للأغيار عند نتنياهو وترامب!"
إرسال تعليق