
رسالة درزية

أوقعت الانتخابات للسلطات المحلية الكثير من المفاجآت ورفعت وجوهاً جديدة في عدة مدن ومجالس محلية. فقد أبرزت عدة ظواهر منعشة: الأولى، هي العلاقة بين الأحزاب الإقليمية والقوائم في القطاع البلدي؛ والثانية، تصويت الجمهور الأصولي الذي لم يعد تلقائياً، وفقاً لتعليمات هذا الأدمور أو ذاك. فالمقترعون الأصوليون هم الذين رفعوا امرأتين جديرتين جداً إلى كرسي رئاسة بلديتي حيفا وبيت شيمش. وثمة ظاهرة أخرى في القرى الدرزية في هضبة الجولان.
قرية عين كينيا واحدة من أربع قرى درزية تقع في الجولان، وفيها نحو 1.600 صاحب حق اقتراع، ولكن لم يتوجه إلى صندوق الاقتراع إلا 21 فقط. والنتيجة؟ وائل المغربي فاز على خصمه أميرة رضا عمران، بأغلبية ساحقة من 20 مقابل 1. لو لم يكن هذا محزناً لكان مضحكاً.
في قرية درزية أخرى ثمة انتخابات أجريت، هي قرية مجدل شمس، ومن أصل نحو 8.000 نسمة فإن 276 فقط مارسوا حقهم وانتخبوا رئيس مجلس. أما في القريتين الأخريين فقد سادت مقاطعة مطلقة للتفويض.
وقعت أعمال شغب في المداخل لصناديق الاقتراع: فقد رفع المتظاهرون الأعلام السورية وأعلنوا الولاء للوطن السوري.
شاهد أيضا
الدروز أينما كانوا لا يؤمنون ألا بالقوي ويعطونه دائماً ولاءهم
الطائفة الدرزية منتشرة في سوريا، وفي لبنان، وفي إسرائيل، ولم تطلب لنفسها الاستقلال قط ولم تسع إليه. كل ما يطلبونه هو أن تتاح لهم ممارسة نمط حياتهم الخاص، كائناً من كان الحكم. فقد كان الدروز موالين دوماً للقوي، أو لمن يعتقدون أنه قوي.
إن التجسيد الملموس لولاء الدروز لمواطني إسرائيل كان في يوم الجمعة ـ عندما جرى السباق «في درب الأبناء» الدروز، الذين سقطوا في معارك إسرائيل. العميد احتياط أمل أسعد، الذي يترأس جمعية تخليد الشهداء الدروز، هو من وقف على رأس التظاهرة الكبرى، الشرعية ضد قانون القومية.
درب الأبناء يبدأ بالكرمل ويمر في عرض الجليل ويقطع 18 قرية درزية، وينتهي في النبي شعيب. لا يتسلق الدرب إلى هضبة الجولان، ولا يرتبط بالقرى الدرزية الأربع هناك. الطائفة ذاتها، والثقافة ذاتها، ويخيل أنه لا رابط بين الدروز من الجليل والكرمل وإخوانهم في الهضبة. شيء واحد مشترك بين المجموعتين السكانيتين المنفصلتين من الطائفة الواحدة ـ الاعتراف بالحكم القومي، كائناً من كان.
إن الأمل في أن يجتاز الدروز في قرى الجولان المسيرة إياها التي اجتازها إخوانهم في الكرمل وفي إسرائيل ـ لا يتحقق. فقيادتهم الروحية الدينية تشخص كما يبدو ضعفاً إسرائيلياً، مقابل الانتعاش والقوة المتجددة لحكم الأسد في دمشق، بدعم من الأقوى، بوتين. تشخص القيادة الدينية انعدام وضوح إسرائيلي بالنسبة لمستقبل الجولان. جساساتهم تلتقط الشك في أن تبقى قراهم تحت حكم إسرائيل. ولهذا فإنهم يخلقون لأنفسهم مسبقاً مثابة ضمانات لمستقبلهم تحت سيادة سورية.
من لا يتذكر ذلك الدرزي، رجل الجولان، الذي عبّر أكثر من أي شخص آخر في طائفته عن تماثله مع إسرائيل ـ ألا وهو سليم الشوفي عليه السلام؟ في مقابلة معه في هذه الصحيفة في 1991 قال للصحافي الذي أجرى اللقاء معه: «أيعتقد أحد ما عندكم بجدية أن يصنع السلام مع الأسد (الأب) مقابل تنازلات في الجولان؟ هل جننتم؟ هل قررتم الانتحار؟ أليس خيراً لكم ما هو قائم الآن في أنكم فوق في الأعلى، وهو تحت في الأسفل؟». وواصل يسأل: «من قال إن شبابنا يريدون العودة إلى الحكم السوري؟ هراء، قصص. أحياناً تجدهم يلعبون فقط وكأنهم يريدون الحكم السوري. أما الحقيقة فهي أنهم سعداء لأن يعيشوا تحت الحكم الإسرائيلي».
لا يوجد اليوم كثيرون من أمثال سليم الشوفي في شمال الجولان. ولا تزال هناك أقلية قليلة من الدروز ممن ربطوا مصيرهم بإسرائيل، لا يخافون التهديدات وشاركوا في الانتخابات. ولكن أغلبية الدروز بالذات، بامتناعهم وبتظاهراتهم يوم الانتخابات، أشاروا بوضوح إلى إسرائيل: هذا هو الزمن لشق درب إلى قلوبنا، لنزع الشك وللإثبات بالقطع بأن الجولان ستبقى إلى أبد الأبدين في حكم دولة إسرائيل.
يوسي احيمئير
المقال كاملا من المصدر اضغط هنا
Essa
from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2Pd0GVd
via IFTTT
0 تعليق على موضوع "رسالة درزية"
إرسال تعليق