-->
قراءة في المشهد العراقي… المرجعية تنأى بنفسها

قراءة في المشهد العراقي… المرجعية تنأى بنفسها

لم تنتظر الأوساط العراقية مهلة المئة يوم التي عادة ما تمنح لأي إدارة جديدة، وهنا لإدارة السيد عادل عبدالمهدي بعد أدائه لليمين الدستورية كرئيس للوزراء، تسمح بظهور ملامح التغيير الذي يحتاجه العراق على جميع مستويات العمل الحكومي، لكي تطلق أحكامها السلبية على التجربة الوليدة. وقد ارتفعت وتيرة هذه السلبية مع الإعلان عن الدفعة الأولى من التشكيلة الوزارية التي ضمت 14 وزيرا.
فعلى الرغم من تأكيد رئيس الوزراء الجديد الخروج من نفق المحاصصة الحزبية والسياسية في تشكيل وزارته واختيار وزرائه، إلا أن الحاصل الذي جاءت به التشكيلة المعلنة، لم يقدم جديدا، حسب هذه الأوساط، وإن كان بعض الوزراء هم من الشخصيات التي تتمتع بمعرفة وخبرة، إلى حد ما، بالمواقع التي عهدت لها، خصوصا في وزارتي النفط والكهرباء.
قد تكون أحكام الوسط السياسي والثقافي متعجلة ومتسرعة في أحكامها السلبية على الأداء الحكومي لرئيس الوزراء، لكن هذه السلبية لم تقف عند هذا الحد، بل تعدتها إلى الشركاء في العملية السياسية، خاصة التيار الصدري وزعيمه السيد مقتدى الصدر، وكتلته البرلمانية «سائرون» الذي رفع الصوت عاليا في وجه ما يعتري عملية تشكيل الحكومة وأدائها من عوار سياسي ومحاصصة وتقاسم واتجار بالمناصب والمواقع. وعلى الرغم من محاولة الأطراف الأساسية الشريكة في اختيار عبدالمهدي لرئاسة الوزراء، التنصل من مسؤولية ما آلت له عملية التشكيل والحصص الوزارية التي حصلت عليها، ومنها كتلة «سائرون» الممثلة للتيار الصدري، وكتلة «الفتح» الممثلة لفصائل الحشد الشعبي وكتلة «تحالف القوى» (بزعامة محمد الكربولي)، إلا أن الكثير من المواقف المنتقدة الصادرة عن هذه الأطراف لم تخرج عن إطار الصراع مع القوى الأخرى ومحاولة قطع الطريق على إمكانية تقاسم الوزارات الثماني المتبقية معها، خصوصا تلك التي تدور في فلك رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وسط هذا الصراع تحاول هذه الأطراف التي تجمعت تحت مسميين هما، كتلة «الإصلاح» التي تضم كتلة «سائرون» الصدرية وحلفاءها، وكتلة «البناء» بزعامة المالكي، الاختباء تحت عباءة المرجعية الدينية في النجف الاشرف، من خلال الإيحاء بأن اختيارها وموافقتها لتولي عادل عبدالمهدي جاء تنفيذا لإرادة المرجعية التي رفضت في مواقف واضحة وصريحة، من خلال خطب صلاة الجمعة لممثل المرجعية في مدينة كربلاء تولي الفاسدين والفاشلين أي منصب وزاري، أو إداري ناهيك عن رئاسة الوزراء.
المرجعية الدينية وانسجاما مع موقفها المبدئي والنأي عن التدخل المباشر في اي عمل حكومي أو سياسي، ومن منطلق دورها الرعائي الوطني والديني الإرشادي، سارعت للتأكيد على حياديتها وعدم تدخلها في اختيار عبدالمهدي كمرشح تسوية لتولي منصب رئاسة الوزراء، وهي لم تتردد عن إبداء عدم ارتياحها، على لسان خطيب الجمعة في كربلاء، عن ما تمخضت عنه العملية السياسية وتشكيل الحكومة والعودة الى مبدأ المحاصصة الذي ترفضه بشدة، حتى بدت القوى السياسية أكثر شراسة في القتال للحصول على الحصة الأكبر في التشكيلة الجديدة وإداراتها، ما أعاد الأمور إلى الدائرة الاولى التي ساهمت في المرحلة السابقة في انفجار الشارع الشعبي، اعتراضا على الفساد والمحاصصة وتقاسم المغانم على حساب لقة العيش والحياة الكريمة، وانتهت إلى مواجهات دموية في مدينة البصرة، أواخر عهد رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي. ولا تخفي أوساط ليست بعيدة عما يدور في الحلقات المقربة من المرجعية الدينية، اعتقادها بأن الخلل الأساس الذي تعاني منه العملية السياسية في العراق يكمن في قانون الانتخابات. وترى أن القانون الحالي والقوانين التي اعتمدت سابقا لإجراء الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات هي التي ساهمت في إنتاج هذه الطبقة السياسية، وساهمت في تكريس مبدأ المحاصصة والعجز عن مكافحة الفساد الذي هيمن على كل مفاصل الإدارة في العراق، ووصل إلى مستويات غير مسبوقة وضعت العراق في مقدمة الدول الفاسدة عالميا. وتعتقد هذه الأوساط أن المطلوب في المرحلة المقبلة، هو البدء بالعمل على وضع قانون جديد للانتخابات، يضمن التمثيل الحقيقي للارادة الشعبية، ويقطع الطريق على الطبقة السياسية والبرلمانية الحاكمة من التجديد لنفسها، مستغلة ضعف القانون الانتخابي القائم. وعلى الرغم من هذا الاعتقاد وضرورة العمل على وضع هذا المخرج للانسداد السياسي في العراق، تتخوف المؤسسات التي تدور في فلك المرجعية، من أن تتهم أو تورط نفسها في التدخل بالعملية السياسية، وبالتالي فإن أي شبهة من هذا النوع سينعكس سلبا على دورها الرعائي والإرشادي والتوجيهي، وتصبح بذلك شريكا مباشرا، ما يعني أنها ستكون مسؤولة عن فشل تطبيق هذه الرؤية، أو مساهمة في إعادة إنتاج الطبقة السياسية. ومن المتوقع أن تلجأ هذه المؤسسات المقربة من المرجعية بدعوة النخب العراقية من جميع المستويات والشرائح الثقافية والاجتماعية والفكرية والعملية وحتى الإنتاجية المستقلة والبعيدة عن الاستقطابات الحزبية، للبدء ببحث الآليات التي تساعد على كتابة قانون جديد للانتخابات، يضمن إعادة إنتاج الطبقة الحاكمة، بعيدا عما هو سائد، ويقطع الطريق على عودة الأحزاب القائمة للتحكم بالعملية السياسية والحكومية. ولا تتردد هذه الأوساط والمؤسسات في إبداء انزعاجها من الأداء السياسي للاحزاب والقوى العراقية، خاصة في الضغوط والسلوكيات التي مارستها في تعطيل اختيار رئيس الوزراء بداية، وتاليا في عملية اختيار التشكيلة الوزارية، وكيف ضربت عرض الحائط بكل توصيات وتوجيهات المرجعية الدينية في العمل لوضع حد للانهيار الحاصل في العراق، والتأسيس الجدي والعملي لمحاربة ومكافحة الفساد ومنع التحاصص وتقاسم الدولة ومؤسساتها على حساب المطالب الشعبية، برفع الحرمان والظلم والإهمال الذي يعاني منه العراقيون جراء الفساد المسيطر على الدولة. في المقابل، وعلى الرغم من هذه الأجواء المحبطة، فإن هناك تأكيدا على ضرورة إعطاء الحكومة الجديدة ورئيسها فرصة لإثبات نواياها الايجابية في تحسين الشروط الحياتية للمواطن العراقي، ووضع سياسة وخطة واضحتين للنهوض بالأداء الحكومي ومكافحة الفساد، أو على الأقل الحد منه بشكل كبير وقطع الطريق على تكريس المحاصصة. إلا ان فرصة السماح هذه لا تعني عدم وجود غليان في الشارع قد يؤدي الى الانفجار، وفي حال انفجاره هذه المرة لن يكون مقتصرا على مدينة البصرة، كما حصل قبل أشهر، ومن المتوقع أن يكون واسعا يشمل الكثير من المدن وصولا الى العاصمة مرورا بالمدن المنكوبة جراء الحرب على «داعش».

*كاتب لبناني

المقال كاملا من المصدر اضغط هنا


Rim



from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2PRHpci
via IFTTT

Related Posts

0 تعليق على موضوع "قراءة في المشهد العراقي… المرجعية تنأى بنفسها"

إرسال تعليق

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel