
إيران في الحرب الاقتصادية قبل العسكرية

مع بدء تنفيذ العقوبات الأمريكية على إيران بتاريخ الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري تكون إيران قد دخلت مرحلة حرب اقتصادية قاسية على نظامها وشعبها، وعلى الرغم من اعتبارها عقوبات «إحادية الجانب» بحسب موقف الأمم المتحدة، كما جاء على لسان استيفان دوغريك، المتحدث باسم الأمين العام أنطونيو غوتيريش، إلا أن العقوبات ستكون مؤثرة وقاسية ولها تأثير على مستقبل إيران وشعبها.
إن الوصف الأممي بأن العقوبات الأمريكية ضد إيران أحادية الجانب مهم جداً على مستوى التعامل الدولي من الناحية السياسية، وليس على مستوى الشركات الاقتصادية العالمية، التي تلتزم بقرار العقوبات، لأنها تخشى أن تلحقها العقوبات الأمريكية إذا تعاملت مع إيران بعد هذا التاريخ، فالعقوبات ستشمل الدول الضعيفة التي لا تستطيع الاستغناء عن المعونات الاقتصادية أو السياسية الأمريكية، ولا تستطيع معارضة السياسة الأمريكية، بينما الدول الكبرى، التي لها علاقات اقتصادية كبيرة مع إيران ومع أمريكا معاً، فإنها رفضت الخضوع للعقوبات الأمريكية ضد إيران، بما فيها تركيا والدول الأوروبية والصين واليابان، وغيرها من الدول التي أصدرت فيها الولايات المتحدة الأمريكية استثناء من الالتزام بتلك العقوبات ضد إيران.
هذا الاستثناء شمل الدول الثماني الحاصلة على استثناءات لاستيراد النفط الإيراني، وهي: الصين، والهند، وإيطاليا، واليونان، واليابان، كوريا الجنوبية، تايوان وتركيا، فهذه الدول لا تستطيع الاستغناء عن النفط الايراني، ولذلك فهي لا تلتزم بالعقوبات حفاظا على مصالح شعوبها، وربما تدخل في خلافات ثنائية مع أمريكا بسبب العقوبات لن تكون أمريكا نفسها مرتاحة إليها، وهذا الاستثناء وإن كان فيه تقليل من درجة العقوبات الأمريكية على إيران، إلا أن العقوبات من وجهة نظر جون بولتون رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي ستكون قاسية فعلاً، لدرجة تضع النظام الإيراني أمام خيارين فقط وهما، إما إضعاف الدولة الإيرانية وإفقار الشعب الإيراني وتجويعه، وإما الخضوع للمطالب الأمريكية، بالخروج من سوريا وعدم التدخل في شؤون العراق ولبنان والخليج العربي والمنطقة، وغيرها من المطالب الأمريكية، فأمريكا تدعي أنها تقاوم النفوذ والتوسع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وسعت إلى بناء تحالف عسكري مشابه للناتو الغربي باسم «الناتو العربي» ضد إيران.
أمريكا ومن خلال العقوبات أصبحت تقود حربا اقتصادية ضد إيران ولا يضير أمريكا، أن تستمر هذه المعركة لسنوات مقبلة
أما وزير الخارجية التركي جاويش أغلو فقد عبر عن اعتقاده بأن إعادة فرض الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات على إيران لن يحقق أي نتيجة، وأوضح أن حصر إيران في الزاوية وعزلها ليس خيارا ذكيا، بل بالعكس أنه «خيار خطير»، مبينا أن تركيا ترفض العقوبات التي تعاقب الشعب الإيراني، بدليل أن العقوبات الأمريكية مفروضة على إيران منذ عقود من دون نجاح، ولم ترفع إلا بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول الست الكبرى في يوليو/تموز 2015، فالعقوبات لم تضعف الدولة الايرانية وإنما تضيق العيش على الشعب الإيراني أكثر فأكثر.
إن بدء الولايات المتحدة تطبيق الحزمة الثانية من عقوباتها الاقتصادية على إيران، التي تشمل قطاعات الطاقة والتمويل والنقل البحري لن تحقق الأهداف التي تعلنها أمريكا اليوم، فلن تخضع إيران للأوامر الأمريكية بهذه الطريقة، وإنما ستعاند وتتحمل وتفرض على شعبها كل أنواع العنت، وسوف تضطهد كل أنواع الاحتجاجات الداخلية، وسوف تتهمها بالتبعية للخارج، وهذا بحد ذاته يمكن أن تعتبره أمريكا انتصارا لسياسة العقوبات الأمريكية ضد إيران، لأن أمريكا تهدف إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي داخل إيران. إن ما يعيق المشروع الأمريكي ضد النظام الايراني، أنها لا تجد دولة مجاورة لإيران يمكن أن تتخذ منها مرتكزاً بتقديم الدعم اللوجستي للشعب الإيراني، فالحدود العراقية تحت النفوذ الإيراني، وهي الحدود الوحيدة التي يمكن أن تستغلها أمريكا لفعل ذلك، بينما الدول الأخرى المجاورة لإيران لها مصالحها الخاصة مع الدولة الإيرانية، ولديها مشاكلها الداخلية التي يمكن أن تستغلها إيران ضدها أيضاً، لذلك لن يبقى أمام أمريكا إلا الخطة التي استخدمتها لاحتلال العراق عام 2003، ولكن من سوء حظ أمريكا أن إيران كانت شريكتها في تنفيذ تلك الخطة لإسقاط النظام العراقي، وبالتالي فإن تطبيق الخطة نفسها سيكون عملاً فاشلاً حتما.
شاهد أيضا
هذا يعني أن أمريكا ومن خلال العقوبات الاقتصادية أصبحت تقود حربا اقتصادية ضد إيران ولا يضيرها، أي أمريكا، أن تستمر هذه المعركة لسنوات مقبلة، وعندها لن يبقى أمام إيران إلا خياران: فإما أن تخرج إيران بنفسها إلى حرب عسكرية خارجية، أو تكون عاجزة عن ذلك فتصبح طعماً سهلاً للمعارضة الداخلية أولاً، وصيدا سهلاً لأي هجوم عسكري من الخارج، ينهي عهد الملالي من حكم إيران، أي أن الخطة الأمريكية يمكن أن تكون مقاربة للخطة نفسها التي أسقط فيها النظام العراقي السابق، ولكن مع تغيرات تفرضها الظروف المقبلة، لأن نظام الملالي يفضل أن تكون معاركه المصيرية خارج حدوده الجغرافية، ولكن المعركة قبل النهائية ستكون بين الشعب الإيراني مع نظام الملالي داخلياً، بسبب ضيق الأوضاع الاقتصادية، وتبذير النظام أموال الشعب على مغامراته الخارجية الخاسرة، ولن تكون المعركة الخارجية بالنسبة لأمريكا إلا بعد انفراط سيطرة الحرس الثوري على الأوضاع الداخلية، فالحرب العسكرية الخارجية ستكون بعد ظهور بوادر نجاح الحرب الاقتصادية التي دشنتها العقوبات الاقتصادية الأخيرة.
كاتب تركي
المقال كاملا من المصدر اضغط هنا
Rim
from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2JSEDNC
via IFTTT
0 تعليق على موضوع "إيران في الحرب الاقتصادية قبل العسكرية"
إرسال تعليق