
إقتربت لحظة التأليف: المطلوب حكومة منتجة لا حكومة منقسمة

شفقنا-بيروت-
ثمّة معلومات بدأت تتوارد من داخل الأروقة السياسيّة كاشفة بأنّ تأليف الحكومة أمسى في مراحله النهائيّة، والرئيس سعد الحريري يضع اللمسات الأخيرة عليه. خلال الأشهر الفاصلة بين التكليف والتأليف المنتظر والمرتجى، انشدّ اللبنانيون بكثافة إلى معركة التأليف بالحقائب المولّدة للشهوات السياسيّة والحزبيّة والمصاحبة للنزوات الممدودة ما بين الخارج والداخل، والممجوجة من المواطنين. فظهرت معركة التأليف جزءًا من صراع أخروي انفجر في الداخل، والداخل بدوره لجأ إلى الخارج ملقيًا عليه همومه وشكاويه وعاملاً أحيانًا على التحريض، للتشابك المصالح ما بين التأليف وعدمه، وهي تهدّد البلد بالتدحرج والانهيار.
وعلى رجاء أن يزور دولة الرئيس سعد الحريري فخامة الرئيس في قصر بعبدا، ويضع بين يديه التشكيلة كما بات معروفَا، لتصدر بعد ذلك بمرسوم رئاسيّ، من بعد إطلاع فخامته رئيس المجلس عليها بصورة رسمية، تبدي أوساط سياسيّة مجموعة ملاحظات دقيقة يتمازج فيها الشكّ باليقين وتتمايل ما بين الحلّ السياسيّ أو التعطيل، الذي من المتوقّع أن تمارسه بشدّة الأطراف التي فشلت ربما في تعطيل التأليف، أو فرض مسلّماتها وشروطها الخاصّة، ضمن ما سمي آنذاك بصراع الأحجام وهو غير محصور به، لكونه صراعًا إقليميًّا-عربيًّا في جوهر التأليف، فتحاول ممارسة تعطيل القرارات الأساسية داخل مؤسسة مجلس الوزراء لتصيب البلد بالشلل وتنتهي الأمور بالفشل.
أربع ملاحظات كافية لتكشف الواقع وتظهر المشهد، وهي التالية:
1-الملاحظة الأولى: ترشيح بعض الأحزاب لشخصيّات تخشى الأوساط السياسيّة من أن تبدو صدامية على طاولة مجلس الوزراء، كما ظهرت في أكثر من موقع ومنبر، وأن لا تملك خصوصيّة الحوار وفرادته بركائزه ومعانيه مع ممثلي الكتل السياسيّة المختلفة معها بالخيارات الاستراتيجيّة والعقيديّة والسياسيّة. وعلى هذا يطرح السؤال التالي: هل الحكومة المقبلة ستكون وفاقيّة بحسب توصيف الرئيس سعد الحريري في الرياض، أو حكومة وحدة وطنيّة بحسب توصيف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، أو أنها ستكون حكومة صداميّة تتعطّل فيها معظم القرارات؟
2-الملاحظة الثانية: كيفيّة التعاطي اللبنانيّ مع العقوبات الاقتصاديّة المفروضة من الولايات المتحدة الأميركية على حزب الله، والعقوبات المتوقّع أن تفرضها أوروبا وربما أميركا على السعودية كنتيجة حتمية لاغتيال جمال الخاشقجي في القنصليّة السعوديّة في اسطنبول، ممّا يجعل الصراع على أشدّه. وهذه الملاحظة، وبحسب الأوساط جوهريّة بدورها، لكونها قد تقسم البلد إلى معسكرين ومجلس الوزراء إلى جبهتين، فيتمسرح أربابها في على الساحة اللبنانية ليصيبوها بالعطب الكبير، وبإمكان ذلك أن يقود لبنان نحو مجموعة أعطاب خطيرة بحجمها.
3-الملاحظة الثالثة: علاقة لبنان بمحيطه العربيّ والمشرقيّ. ستكون هذه القضيّة من أشدّ العناوين الخلافية الموضوعة على طاولة مجلس الوزراء، وجوهر النقاش السياسيّ في لبنان. ذلك أن رئيس الجمهورية مسنودًا من التيار الوطيّ الحر وتكتّل لبنان القويّ وحزب الله وحركة أمل وتيار المردة مصرّ بكلّ قوّته على إعادة الاعتبار للعلاقة اللبنانية-السوريّة وتوسيع دائرة التواصل بين الحكومتين والدولتين، فيما فريق آخر قوامه رئيس الحكومة مدعومًا من تيار المستقبل والقوات اللبنانيّة يرفضها بشدّة وقوّة، ويتمسّك بورقة “النأي بالنفس”، زهز تمسّك استهلاكيّ، لمنع لبنان من التلاقي مع سوريا على مستوى رسميّ أي على مستوى الرئيسين والحكومتين، مع الأخذ بعين الاعتبار موقف النائب السابق وليد جنبلاط المتميّز جدًّا عن مواقفه السابقة تجاه العلاقة مع سوريا وقد أباح لوزرائه التواصل مع الحكومة السوريّة حيث تدعو الحاجة. وتنوّه الأوساط السياسيّة، بأن الموقف اللبنانيّ بالنسبة للعلاقة مع الخليج طيّب ومنفتح على الدول الخليجيّة بما فيها السعوديّة، وجولة وزير الخارجية جبران باسيل كانت جدًّا ناجحة، وحصد مشاركة واسعة من قادة الدول الخليجيّة للاشتراك في القمّة الاقتصاديّة العربيّة التي ستنعقد في لبنان خلال شهر كانون الثاني المقبل. وللتدليل على علاقة لبنان التاريخيّة بالسعوديّة، قام فرئيس الجمهوريّة بزيارتها توًّا بعيد انتخابه، على عكس ما كان يحدث عمومًا حين كان الرئيس اللبنانيّ يزور دمشق قبل أية دولة عربيّة أخرى، فيما هي لم تبادر إلى التواصل معه بصورة إيجابيّة. وعلى هذا فإنّ تحفّظ لبنان هو على أمرين من ضمن سياق تلك الملاحظة:
· إخراج سوريا من جامعة الدول العربيّة، وهي دولة مكوّنة ومؤسسة لها. سانده العراق في هذا التحفّظ. فإخراج سوريا من جامعة الدول العربيّة قرار غير شرعيّ على الإطلاق فيما هي عضو شرعيّ في الأمم المتحدة يمثّلها السفير الدكتور بشار الجعفري.
· إستهلاك لبنان من قبل السعودييّة على الرغم من إيجابية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في سبيل مواجهة إيران وسوريا. ويتحفّظ رئيس الجمهورية تحديدًا على نمطية المواجهة وطبيعتها وتحويل لبنان وسوريا ساحتين لاصطفافاتها المتعدّدة، كانت قمّتها الاعتداء على رئيس الحكومة سعد الحريري وإجباره على تقديم استقالته بالقوّة وعن طريق العنف، كما نقلت مؤخّرًا وكالة رويترز.
الملاحظة الرابعة:علاقة الدولة والمقاومة. تذكّر الأوساط السياسيّة بأنّ الحكومات السابقة بما فيها الحكومة الأولى برئاسة سعد الحريري، أكّدت على الترابط بين الشعب والجيش والمقاومة كثالوث محافظ على سيادة البلد وكرامته وحام له من كل اعتداء إسرائيليّ غاشم. والرئيس عون في خطاب القسم، أكّد على رسوخ السلاح الردعيّ للمقاومة بوجه إسرائيل، وعلى معاني القتال الاستباقيّ الذي حصل في سوريا وعلى الحدود معها ضدّ القوى التكفيريّة. وفي سياق الملاحظة الواردة، فإن الأوساط عينها، تخشى من تحول هذه المادّة بالتحديد علامة للاشتباك السياسيّ، كتعبير عن الاشتباك الأميركيّ-الإيرانيّ، والاشتباك السعوديّ-الإيرانيّ، ومفرداته واضحة من خلال ما نسب بأنّ الأميركيين رافضون إسناد وزارة الصحة لحزب الله، مما يهدد لبنان بحرمانه المساعدات والهبات العائدة إليه والخاصّة به.
بناء على كلّ ما قدّمته الأوساط السياسيّة، فإنّ المشهد السياسيّ اللبنانيّ لم يعد محصورًا بالتأليف، بل بكينونة الحكومة ومن ثمّ ديمومتها كإطار تنفيذيّ ضامن للمؤسسات بسيرورتها. فإذا كانت بعض القوى تشاء الدخول للتعطيل فسيكون لبنان أمام حقبة صعبة للغاية، ستتراكم فيها انهيارات خطيرة. أمّا بحال رضيت القوى أن تنصهر في حكومة إنتاجية فهذا هو المراد والمرام. الانصهار بحكومة إنتاجية منطلق جوهريّ لسطوع العهد وانطلاقته بخطوات ثابتة.
قال رئيس الحكومة بانّ نهار الاثنين القادم هو اثنين الكبير، أي أنّ التأليف يكون قد خطا خطواته الأخيرة نحو التكوّن المطلق والولادة القيصريّة من بعد مخاض طويل. ما هي العقدة الصغيرة التي أشار الحريري إلى حلّها، هل هي عقدة عدم قبول القوات اللبنانيّة بالوزارات المعروضة عليها، أو هي عقدة توزير شخصيّة سنيّة في الحكومة؟
تقول معلومات واردة، بأنّ التأليف قد شارف على نهايته، ومعظم القوى السياسيّة تأبى ثقافة العزل وتلفظه، بمعنى أن لا أحد يريد عزل القوات، وقد أكدت القوى بما فيها حزب الله بأن لا حكومة من دون القوات اللبنانية، وقد تمّ ذلك بالفعل. ووفقًا للمعلومات ستنال القوات اللبنانية فضلاً عن نيابة رئاسة الحكومة ثلاثة حقائب وهي العمل والشؤون الاجتماعيّة والثقافة. لقد انتهى عصر الدلع والترف السياسيين في مرحلة التأليف برفع السقوف وفرض الشروط.
إقتربت لحظة التأليف: والمطلوب حكومة منتجة لا حكومة منقسمة، حكومة تقرأ مصلحة لبنان الاستراتيجية العليا ولا تسير بعكس السير فيختنق لبنان بأخطاء استراتيجية تمارس زورًا وجورًا. المطلوب حكومة تعيد الاعتبار لعلاقة لبنان بمحيطه القريب والبعيد بتوازن مطلق، وحكومة تعيد الاعتبار للمواطن اللبنانيّ، ليثق بدولته فيما هي مدعوّة لخدمته وليس لرذله وعزله وتحقيره وتهميشه وعدم تأمين حياة كريمة له ترفعه من الفاقة والحاجة إلى العزّة والكرامة بتأمين حقوقه كاملة. وعلى هذا الاعتبار لقد بدأ العد العكسيّ لصدور مرسوم تأليف الحكومة الذي من المفترض أن يتمّ على أبعد تقدير يوم الثلاثاء بإذن الله تعالى على رجاء سطوع وطن جديد ومجيد لشعب يستحق الكرامة والحياة والسلام.
المقال كاملا من المصدر اضغط هنا
Mahdi
The post إقتربت لحظة التأليف: المطلوب حكومة منتجة لا حكومة منقسمة appeared first on بتوقيت بيروت.
شاهد أيضا
from بانوراما – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2OcHxgC
via IFTTT
0 تعليق على موضوع "إقتربت لحظة التأليف: المطلوب حكومة منتجة لا حكومة منقسمة"
إرسال تعليق