
الغرب أمام تحدي صراع المبادئ والمصالح

في الاسبوع الماضي (18 تشرين الأول/اكتوبر) انتقل الى ربه المشير عبد الرحمن سوار الذهب، الرئيس السوداني الذي حظي بتقدير كبير عندما سلم السلطة الى حكومة منتخبة في السودان برغم بريق المنصب. وبذلك التزم بوعد قطعه على نفسه لشعب ذلك البلد. ففي 6 نيسان/ابريل 1985 تقلد رئاسة المجلس الانتقالي بعد انقلاب عسكري في إثر انتفاضة ضد حكم الرئيس الاسبق، جعفر النميري، وبعد الانتخابات سلم السلطة في 6 أيار/مايو 1986 للصادق المهدي كرئيس للوزراء واحمد الميرغني كرئيس لمجلس السيادة. قليل من السياسيين التزم بموقف اخلاقي على حساب الاغراءات المادية التي تمنعهم من ذلك. صحيح ان الزعماء الغربيين يسلمون السلطة لمن تفوق عليهم في الانتخابات البرلمانية، ولكن ذلك امر يفرضه القانون ولا يستطيع السياسيون تجاوزه.
وفي غياب القانون الملزم قلما يرجح السياسي مبادئه على مصالحه الشخصية. فها هو الرئيس السوداني الحالي بعد حوالي 30 عاما يتشبث بمنصبه الذي حصل عليه بانقلاب عسكري على حكومة منتخبة في العام 1989.
ايا كان الامر فان تغليب المبادئ سلعة نادرة لا يلتزم بها الا ذوو القيم العالية، ومنهم نيلسون مانديلا الذي اكتفى بدورة رئاسية واحدة بعد ان قاد ثورة شعبه الى النصر على نظام الفصل العنصري. ويمكن القول ان الرغبة في توسيع النفوذ السياسي تنطلق في بعض جوانبها بدوافع اقتصادية ومصالح مادية. ويندر ان تبرز المبادئ كمرجح لصنع السياسات والمواقف. وما الحماس الغربي للدفاع عن الكيان الاسرائيلي برغم انتهاكه للمواثيق الدولية والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الامن بعد حرب 1967 الا بدوافع سياسية تستبطن نزعات اقتصادية مؤسسة على التركة الاستعمارية. اما التهافت الغربي على حماية نظام الحكم السعودي حتى بعد الجريمة الاخيرة غير المسبوقة في التاريخ الدبلوماسي الحديث فناجم، هو الآخر، عن جشع اقتصادي تتسابق الدول الغربية لضمان الحصول على شطر كبير منه. وطوال العقود الاخيرة رفض الغربيون مراجعة سياساتهم ازاء ما يجري في الجزيرة العربية. وهناك فصل واضح بين قطاعين ناشطين في الغرب: الحكومات ومنظمات المجتمع المدني. ففيما تقوم المؤسسات والمنظمات بترويج حقوق الانسان والحرية والديمقراطية واقامة حكم القانون والشفافية، فان الحكومات لها اولويات مختلفة. وهناك فصل تام بين القطاعين، ضمن تفاهم يقول بان على كل من الطرفين احترام الطرف الآخر وعدم التدخل في شؤونه. فالمنظمات لها الحق الكامل في التعبير عن مواقفها واصدار تقاريرها وبياناتها (بدون ان تكون لها مخالب او انياب لتنفيذ قراراتها) ولا تسعى الحكومات للتأثير على عملها، وفي الوقت نفسه فللحكومات مساحتها الكاملة في تنفيذ سياساتها وعلاقاتها مع الدول، ولا يحق للمنظمات السعي لتعطيل شيء من ذلك.
ان تغليب المبادئ سلعة نادرة لا يلتزم بها الا ذوو القيم العالية، ومنهم نيلسون مانديلا الذي اكتفى بدورة رئاسية واحدة بعد ان قاد ثورة شعبه الى النصر
لم يشجع السعودية على ارتكاب ابشع جريمة شهدها العالم الدبلوماسي في العقود الاخيرة الا الوفرة المالية التي تسيل لعاب الغربيين خصوصا مع تفاقم مشاكلهم الاقتصادية. واذا كانت قضية قتل الاعلامي جمال خاشقجي قد فتحت ابواب النقاش في الدوائر الغربية بحثا عن صيغ للمواءمة بين الموقف السياسي والرغبة في المال السعودي، فانها سلطت الاضواء مجددا على الصراع التاريخي بين المبادئ والمصالح. المبادئ كانت وما تزال همّا شغل البشر منذ بداية الخلق، وكان من اهتمام المفكرين والفلاسفة منذ ارسطو وافلاطون، وتطور خلال القرون ولكنه لم يؤثر كثيرا في السلوك الانساني. ومصالح الشعوب واحتياجاتها هي الهم الاول للحكومات التي ما فتئت تسعى لتحقيقها، وتتحايل على المبادئ كلما استطاعت الى ذلك سبيلا.
مع ذلك برزت مواقف تحيد قليلا عن ذلك المنحى الذي يتجاهل المبادئ والاخلاق ويصر على تحقيق المصلحة المادية البحتة حتى لو كان ثمن ذلك استمرار شقاء الآخرين أو جوعهم او مرضهم. وفي العامين الماضيين برزت مواقف بين الحكومات الأوروبية تدعو لوقف السلاح الذي يستخدم في الحرب على اليمن، ولكن اغلبها تعرض لضغوط انكلو ـ أمريكية او تهديدات مالية سعودية جمدت تلك المواقف. ربما كانت وزيرة خارجية السويد من اول من انتقد السعودية في اساليب تعاملها مع منتقديها. ففي التاسع من آذار/مارس 1915 قالت وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم أنه تم إبلاغها بأنها لن تتمكن من إلقاء خطابها في ذلك اليوم أمام جامعة الدول العربية بمصر لأن المندوبين السعوديين لا يرغبون في ذلك. وفي أيار/مايو 2015 انتقدت السعودية واصفة إياها باستخدام أساليب القرون الوسطى إثر تأكيد حكم السجن والجلد بحق المدون السعودي رائف بدوي. وحذت كل من سويسرا والاتحاد الأوروبي حذو السويد بالمطالبة بفرض حظر بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية، وذلك احتجاجًا على الضربات الجوية التي تقودها السعودية، بالإضافة إلى الحصار البحري المفروض على اليمن منذ بداية العدوان. وفي الاسبوع الاول من سبتمبر الماضي أعلنت وزارة الدفاع الإسبانية عن إلغاء صفقة بقيمة 9.2 مليون يورو لبيع السعودية 400 قنبلة مسيرة بالليزر. وبعد اسبوع غيرت مدريد موقفها واعلنت استعدادها للافراج عن تلك الشحنة. وكانت كندا والمانيا من بين الدول التي تحدث زعماؤها عن رغبتهم في وقف صادرات السلاح عن السعودية. ولكن اغلب تلك التصريحات لم يجد طريقه للتنفيذ.
شاهد أيضا
وبموازاة الاتحاد الاوروبي قال رئيس وزراء كندا جاستن ترودو يوم الخميس الماضي إن حكومته تراجع تصاريح التصدير للسعودية ومنها اتفاق مع المملكة لتصدير السلاح بقيمة 13 مليار دولار بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي. وأبلغ ترودو مؤتمرا صحافيا في أوتاوا «سنواصل العمل مع حلفائنا في أنحاء العالم من أجل الحصول على ردود أفضل عن هذا الحادث ونتحدث عن تبعاته… حكومتنا تراجع الآن تصاريح التصدير القائمة بالفعل للسعودية». وقال ترودو إن العقوبات قد تكون «بمليارات الدولارات».
كاتب بحريني
المقال كاملا من المصدر اضغط هنا
Essa
The post الغرب أمام تحدي صراع المبادئ والمصالح appeared first on بتوقيت بيروت.
from صحف – بتوقيت بيروت https://ift.tt/2qgjcNx
0 تعليق على موضوع "الغرب أمام تحدي صراع المبادئ والمصالح"
إرسال تعليق