-->
كفريا والفوعة والعالم الأعمى

كفريا والفوعة والعالم الأعمى


بقلم :فيصل الأشمر
لنتفق أولاً على أن المقاتل في الحرب، أية حرب كانت، ولأي جهة انتمى، يتحمل مسؤولية خياره السياسي والعقائدي، فإن قُتل أو جُرح فهذا ما كان يتوقعه، ويتوقعه له الآخرون، حتى لو حصل مقتله بأبشع صورة ممكن أن يتصورها العقل. أصلاً، المقاتل قتيل أو جريح بالقوة، بانتظار أن يكون كذلك في الفعل، إذا استعرنا بعض مصطلحات أهل الفلسفة.

ولنتفقْ ثانياً على أن هذا المقاتل إنما يقاتل لأجل غاية عظمى وهدف أسمى يتصورهما ويقاتل لأجلهما، ويسعى لتحقيق ما يهدف إليه مقاتلاً فئة يرى أنها تقف حائلاً بينه وبين هدفه. وبالتأكيد، خلف هدفه هذا شعب أو جماعةٌ غير مقاتلة المفروض أنه يقاتل لأجلها ولأجل حريتها وحقها في الحرية والعيش الكريم.
العالم صمّ أذنيه وابتلع لسانه أمام المجزرة بحق أهالي كفريا والفوعة
ولنتفق ثالثاُ على أن الشعب أو الجماعة، الساكنين في فكر هذا المقاتل، مدنيون لا علاقة لهم مباشرة بالحرب، حتى لو كانت القضية التي يقوم القتال لأجلها قضيتهم، وحتى لو كان المقاتلون من أبنائهم وأقاربئهم، وبيئتهم.
ولنتفق رابعاً على أن الشرائع السماوية والوضعية الأرضية والقوانين الدولية وشرائع حقوق الإنسان توجب حفظ هؤلاء المدنيين في أوقات الحروب والأزمات، وتمنع المقاتلين من التعرض لهم، حتى لو كان التعرض هذا أبسط أنواع التعرض.
كل ما ورد أعلاه أمور يتفق عليها جميع الناس، أو من المفروض أن يتفقوا عليها، لكنّ هذه الأمور من مسلّمات المنطق والعقل، وكثيرٌ من الناس لا يسيّرهم منطق ولا عقل.
لقد وقعت في سوريا مصائب كثيرة على المدنيين، وقود الحرب العالمية على هذه الدولة، والمدنيون دون نقاش وقود كل حرب وقعت منذ بدايات الحروب ووقود كل حرب تقع.
العالم صمّ أذنيه وابتلع لسانه أمام المجزرة بحق أهالي كفريا والفوعة
وكان العالم كله يحزن ويبكي لمشاهد القتل والتنكيل والتهجير التي يتعرض لها المدنيون في سوريا، بغض النظر عن الجهة التي تقف خلف هذه الأفعال، وبغض النظر عن تعمد القيام بها أو عدم التعمد. ولكن…
ثار العالم الحر وغير الحر لمشاهد في خان شيخون تكشف الوقائع يوماً بعد يوم أنه جرى فبركتها لتصوير مجزرة أُلصقت التهمة بارتكابها بسلاح الجو السوري، لغايات في نفس المخرج المتواري خلف الكاميرا، وما زال الإعلام العالمي والعربي التابع له يبكي على أطلال هذه المجزرة المشبوهة.
في المقابل، تحصل مجزرة هائلة أمام عيون وكاميرات العالم، يسقط فيها العشرات من الشهداء والجرحى، من النساء والأطفال، وبعض الرجال، من أهالي قريتي كفريا والفوعة، الذين كانوا ينتظرون بشوق لحظات تحررهم من إرهاب المسلحين الذين كانوا يحاصرون القريتين منذ سنين ويمارسون فوق الحصار أعمال القصف الهمجي اليومي ومحاولات الاقتحام على مرأى ومسع العالم الذي لم يندد أو يستنكر هذا الحصار وهذا القصف يوماً.
إلى الآن ما زال العالم الحر، والعالم العربي التابع له صامتاً، بالتأكيد ليس صمت المصدوم من هول المجزرة، ولا صمت المفكر في نوع الرد المناسب ضد المتسببين بها.
العالم صمّ أذنيه وابتلع لسانه أمام المجزرة بحق أهالي كفريا والفوعة
لن تنطلق صواريخ توماهوك الأميركية لتضرب قواعد الإرهابيين الجناة، ولن يغير الطيران السعودي على المرتكبين، ولن ينطق لسان مسؤول فرنسي مهدداً أو مندداً.
قدَر الأحرار والشرفاء في العالم أن يُقتلوا في صمت، وأن يُدفنوا في صمت، لأن العالم عميت عيناه عن رؤية الحقيقة، سلوا شعوب كوريا وفييتنام وفلسطين ولبنان وسوريا واليمن وكل الشعوب التي كانت ضحية الإرهاب الغربي وأتباعه من أجانب وعرب. أما حين يصاب “إسرائيلي” معتدٍ محتل بطعنة أو حجر، فعلى الإعلام كله أن يبكي أو يندد، وأن يستنكر فعل الفلسطيني “الإرهابي الهمجي”، وإلا خرج من جنة الرضا العالميّ عليه.



from بانوراما – بتوقيت بيروت http://ift.tt/2pq1PIi
via IFTTT

Related Posts

0 تعليق على موضوع "كفريا والفوعة والعالم الأعمى"

إرسال تعليق

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel